بَصْمَتُك .. أثرك الباقي

المطلوب مليون توقيع على الأقل، والمؤمل أن يوقّع عليه الملايين من أبناء الوطن العربي ليُرفع إلى القمة العربية التي ستُعقد في مارس 2011 بعد تدشين حملة جمع التوقيعات على “نداء المواطنة” الذي حمل صورة “بصمة إصبع ذات خطوط ملوّنة” ترمز إلى الأثر المطلوب أن يتركه المواطن العربي في مجتمعه بالمحافظة على استقلاليته وذاتيته في مجتمع يؤمن بالتّنوّع والتعدّدية، وقد صُدِّرت هذه الحملة بنص النداء: “أطالب بحقّي في مواطنة غير منقوصة تضمن (واجبي) في المشاركة الحرّة والفاعلة والسلمية في إدارة الشأن العام دون تمييز لأيّ سبب كان، وتؤمّن العيش الكريم”، الذي اختُصِر في شعار من ثلاث كلمات “واجب المواطنة حقّي”، في ملاحظة لافتة تؤكّد على أنّ قوام هذاالنداء هو المطالبة بـالحصول على (حقّ) أداء (واجب) المواطنة المحروم منه أبناء الوطن العربي كما حُرموا من حقوقهم المشروعة الأخرى، ولكي لا يدّعي مدّعٍ بأنّ الشعوب العربية تطالب بحقوقها وتنسى واجباتها، فهاهي تطالب بإعطائها حقّ أداء واجب المواطنة!!

“المواطنة” كغيرها من المصطلحات المستحدثة أصبحت مصدر جدل فكري ومعرفي لا ينتهي بين النخبة من المثقفين والمتنفّذين من الساسة ما أدّى إلى تراكم كمٍّ هائل من التعريفات والأدبيات والكتب والحوارات والندوات والمؤتمرات التي تتحدّث عن مفهوم المواطنة الصالحة، والمواطنة في الإسلام، وعلاقتها بالقومية، ومقوماتها، وقواعدها، لنتوه في المصطلح وتعريفه، ونختلف في أصله وفصله، لنزداد بعداً عن معانيه العمليةالجمّة وتطبيقاته البسيطة في الحياة اليومية كلما تعمّقنا أكثر في تنظيراتنا، فالساسة يصرّحون بأهمّية المواطنة، والمفكّرون يعدّدون محاسنها ويدعون إليها، والشعوب لا تدري عن أيّ شيء يتحدّثون.

يؤثر عن غاندي في إحدى كلماته الحكيمة قوله: “المواطنة مثل الديمقراطية لكي تعيش يجب أن تُعاش” .. قد يفهم معنى هذه المقولة من جرّب الديمقراطية وعاشها أو من مارس المواطنة الحقّة فعرف وجه الشبه بينهما، أمّا من لم يجرّب لا “الديمقراطية” ولا “المواطنة” – كحال أبناء الأمة في الوطن العربي – فعليه أن يفعّل المقولة فلعّله يجد فيها الحلّ، أي أن يبدأ بتطبيق قواعد الديمقراطية في دائرته الضيّقة (أسرته) ثم ليتوسّع منها إلى الدوائر الأوسع كمجال عمله ومن خلال ممارسته لأدواره الأخرى في المجتمع فيعيش الديمقراطية فعلاً، لتتكون لديه حصيلة من التجارب الواقعية ويتذوّق أثرها وتنتعش قيمها في الوسط الذي (أحياها) فيه.

يرى البعض أنّ الأنظمة الاستبدادية ترى في مفهوم المواطنة “كفر مكتوم”، وذلك لهيمنة مفهوم الراعي والرعية للتعبير عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، حيث ترفض أجهزة الدولة في هذه الأنظمة ربط مفهوم المواطنة بالمدنية، والديمقراطية، ودولة القانون، وحقوق الفرد وواجباته، وما إلى ذلك من قيم تقوم مقام عقد اجتماعي مضمر بين شركاء الوطن، بينما يرى آخرون أنّ انتقاد الممارسات الخاطئة من قبل مسئولي الدولة، والتعبير عن الرأي المخالف أو المعارض – في أيّ شكل من أشكاله حتى السلمي منه والقانوني– يخدش في صدق الولاء للوطن فيحرمهم ثقة الدولة ويحول دون تحصيل المواطنين حقوقهم.

لا نريد أن ندخل في جدل البيضة والدجاجة لتحديد أيهما أولى بالمبادرة لتحقيق المواطنة الصالحة: الدولة أو المواطن، إلاّ أنّ التجربة أثبتت أنّ المواطنة الصالحة لن تتمّ ما لم يشارك فيها طرفا المعاملة بأفعال حقيقية، وبرامج عملية، ونوايا صادقة من الطرفين، ولكي نقطع الطريق على المتشائمين والمشكّكين في جدوى التحرّك السلمي العقلاني لحلحلة الأمور العالقة بين شركاء الوطن في وطننا العربي الأكبر فلابد من مبادرة حسن نيّة وخطوة أولى يبدأ بها من يعتقد أنّه “الأمّ الحقيقية” لهذا الوطن – كما ورد في القضيّة التاريخيّة المأثورة- وإن تطلّب ذلك تنازلاً عن بعض حقوقه الآنية لحفظ سلامة الوطن، ودليلاً على صدق المحبة والولاء.

ولتوضيح ما يعنيه مصطلح المواطنة من الناحية العملية السلوكية أقتبس فقرة مما جاء في وثيقة (وطنيون أوّلاً) التي أصدرتها جمعيّة التجديد: (إنّ الوطن هو الحاوية والسفينة التي تضمّ وتقطر جميع أهله، والانتماء إليه فطرة ودين، والتعبير عن هذا الانتماء واجبٌ وطنيّ وإنسانيّ وأخلاقيّ، يتمثّل في الغيرة عليه والحنين له، وفي محبّة تطويره، وخدمته، وحفظ سلامة نظامه وأمانه، وفي السعي لإصلاحه، والحفاظ على بيئته ونظافته، ورعاية موارده وثرواته، وفي الحرص على شراكة العقلاء الواعين في قرارات إدارته وسياسته وتدبيره، وأهم واجب تجاه الوطن، ومعبّر عن الانتماء له، هو تعزيز وحدة أهله الذين هُم وحدَهم حُماة الوطن، بمذاهبهم وطوائفهم وبتنوّع جذورهم التاريخيّة، فوحدتهم هي حصانة الوطن ضدّ الفتن والشرور الخارجية والداخلية، أي عليهم واجب بناء خرسانة “الوحدة الوطنيّة” لتصدّ أمواج الأخطار، وما من سبيل إلى تعزيز الوحدة الوطنيّة إلاّ بإعلاء قيمة “المواطنة”، بوصفها مبدأ شراكة في ملكية الوطن العامة بين أهله وقاطنيه، مبدأ وصبغة تفرض للجميع ضمان حقوقهم الوطنيّة، والتزاماتهم الوطنيّة، بسواسية لا تمييز فيها، مكفولةً دستوريا، ومفروضة قانونيا، ومراقبة أدائيا، ومجرَّماً مخالفتُها تشريعيًّا، وممارسةً عمليّاً).

فنأمل أن يكون أبناء الوطن العربي قد اقتنعوا بأهمية استثمار الأدوات السلمية والدوليّة للمطالبة بحقوقهم المشروعة التي لا يحقّ لأحد أن يحرمهم منها أو أن يهبهم إياها، وقد أثبتت مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية في السنوات الأخيرة قوّتها الضاغطة وقدرتها على كشف الحقائق وتبيان الحقوق رغم مكائن التدليس والألاعيب السياسية، فعسى أن يلقى نداء “واجب المواطنة حقي” ترحيباً لائقاً من قبل مواطني أمّتنا المعنيين بالأمر، ولتكن بصماتهم المليونية إيذاناً بوحدة حقيقية تتجاوز حدود جغرافية “سايكس-بيكو” المشئومة.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة