(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف:201)

تتحدث الآيات القرآنية الكريمة عمومًا عن أفعال شهيرة يقوم بها الشيطان عبر منظومته المتعددة.. تقود إلى الغواية والفتنة والإضلال عن طريق الحق والزيغ عنه، منظومة الشيطان تبث موجات مؤثّرة فقط على المستوى الغزائزي، تحرّك شهوات النفس ونزعاتها وأهوائها، كالخوف والجشع والعجلة والغرور والجزع وغيرها، فتطفح ويعلو أوارها، وتأخذ صاحبها إلى مسالك الشرّ والنزغ، والتوغّل في السوء، والنأي عن الخير والمعروف.

مسئولية الإنسان أن يوفّر لنفسه الحصانة، ويضع المرشحات، ويثبّت القواعد، التي تحميه من الإنجرار إلى شراك الشيطان، والاستجابة لدعواته، فإن فعل فسيكون من “الذين اتقوا”، أي الحريصين عملا على وقاية أنفسهم من الشرور، بتسلّحهم بالسلاح الفتّاك لمحاربة المسّ الشيطاني وهي: التقوى، والتي تقود إلى التذكر!

والتذكّر هو قدرة الإنسان أن يكون حاضرًا في الموقف، واعيًا بتفاصيله، الأمر الذي يمكّنه من السيطرة على شرور النفس، ثم استدعاء العقل، واستحضار التجارب المناسبة للحظته ليعمل بها، فالذكر مرتبط بالعقل والاتزان والسمو، بعكس النسيان الذي يعبّر عن سيطرة للنفس.

ولكن أداء العمل لا يكون على أتمّه دون حساب نتائجه المتوقعة.. وهنا تعمل التبصرة! فماذا لو تمكّن مني مسُّ الشيطان؟

البصيرة التي هي منحة يحصل عليها الذين اتقوا” نتيجة التعامل الصحيح مع الأمور، والتي تنقدح داخل الإنسان نتيجةً لحالات متواصلة من التذكرة تجعل “المُتقي” يرمي ببصره إلى الأمام ليطّلع على نتائج كل خيار من الخيارات التي أمامه. “المُتقي” مبصر للأمور على حقيقتها الكاملة الجليّة وللنتائج بتجردٍ تامٍ دون تضليل من النفس، فيؤدي في الخلاصة واجب اللحظة  بأفضل ما يمكن لأحدٍ القيام به، لأنّه تذكّر واستعاد التوازن، ثم تطلّع لمآل أعماله واختار أنقاها وأشرفها وأكملها.

والعملية التالية (تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) لا تحدث فجأةً بشكل آلي عند حصول المسّ الشيطاني، ولكن الإنسان الجاد في رغبته وقايةٌ لنفسه من شرور الشيطان يحصّلها بمراجعته الدائمة لخبراته السابقة، وبهضمه الواعي لتجاربه الناجحة، وبتكرار الممارسة والتدريب، وذلك هو سبيل عصمته من الوقوع في شراك الشيطان!

إذن “الذين اتقوا” معتادون على اجتياز الهوى، متحفزون على درء النفس من التأرجح والوقوع، هؤلاء يستطيعون بسهولة رصد الشياطين الداخلة حالما تقترب، الدقيق منها والغليظ، نجاحهم في خطواتهم الأولى يهيئ لهم نجاحًا في الخطوات المقبلة، لأنّهم يتذكرون باستمرار، فيعرفون الطريق الأسلم، فلا ينجرفون مع أي “طائف” يلف عليهم ويحاول زحزحتهم عن مواقعهم، معادلة اعتادوا حلّ مجاهيلها، فجنوا ثمار استقرارهم وراحتهم، واستقامتهم.

فهل نتذكر في الوقت المناسب قبل أن يتمكّن منا مسُّ الشيطان؟ وما هو “ذِكري” الذي أحارب به هذا المس؟!

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة