يحكى أنّ جاراً لنصر الدين أتى بطبق من الحلوى تفوح منه رائحة شهّية، استلمت زوجته الطبق ووضعته في مكان آمن وأغلقت الباب عليه، ولم تنجح محاولات نصر الدين لإقناعها بأن يأكلوا الحلوى في تلك الليلة وبقيت على رأيها بأنّ أكله غداً أفضل، وفي منتصف الليل، أيقظ نصر الدين زوجته وأخبرها بأنّ لديه سرّا يريد مشاركتها إياه، فاعتقدت بأنّه سيكشف لها عن مال مكنوز أو ثروة، فاستيقظت وكلّها شوق، فقال لها بأنّه لن يقول لها السرّ ما لم تأتِ بالحلوى أوّلاً، فهرعت وأتت بها، ولمّا أكل، سألته عن السّر، فقال لها بأنّ السّر هو أنّنا لا يجب أن ننام ما دام في البيت حلوى لم نتذوّقها.
هناك عوامل مشتركة بين النوم والموت يستطيع الإنسان أن يستثمرها لمراجعة حياته بشكل مفصلّي ومنتظم ويتعرّف على حقيقة نفسه وأعماله، فمراجعة الإنسان ليومه قبل أن ينام، والبحث عن المتشابهات بين يومه والأيام الأخرى، يعطيه صورة عن الهيئة التي قد ينهي عمره عليها ما لم يغيّر ذلك بوعي، فإن راجع يومه ورأى فيه دمعة ساهم في إراقتها، أو آهةً لمظلوم كان بإمكانه تخفيفها ولم يفعل، أو شقاقاً بين إخوة لم يساعد في رتقه مع استطاعته، فهناك احتمال أن تنتهي حياته وهيئته مشوّهة من جرّاء تلك الأعمال، فتكرارها في أيّامه به إشارة له جديرة بالتوقف والتأمّل وإعادة النظر.
وقد يراجع يومه ويرى أنّه رسم بسمة في قلب شخص، أو مسح دمعة، أو حفّز لخير أو قال كلمة تؤسّس لعدل، فإن كانت هذه، أو ما على شاكلتها هي المشتركات في أيّامه، فهناك إحتمالٌ أكبر بأن تكون تلك هي الهيئة التي ينهي حياته عليها، ما لم يقرّر تغيير ذلك، وهذه المراجعة، خاصّة إذا داوم الإنسان عليها، تعطيه شعوراً يستحقّ التجربة، فهي تعمل كآلة لتنظيم التفكير واستحضار المعطيات، وتُقلصّ شتات الذهن والإحساس بالضياع وسط الأحداث، كما وتساعد على أن يستشعر الإنسان موضع قدميه ويقيّم إذا كان ما يقوم به وتبعاته هو فعلاً ما يريده لنفسه ولعاقبته أم أنّه يريد شيئاً ويعمل شيئاً آخر.
وغالبية الناس مهما تأثّرت فطرتهم بمجريات الحياة سلباً، إلا أنّهم يشعرون بالألم والأذى وعدم الرضا عن الذات حين يصدر منهم ما يؤذي أحداً أو تقصيراً تجاهه، مع اختلاف في مستويّات ذلك الشعور وحدّته، ويشعرون بمتعة ونشاط وسرور حين يقومون بعمل يدخل الفرح على أحد أو يخفف ثقلاً من على كاهله أو يرفع من مستوى حياته، فيساعدهم ذلك في الحصول على الرضا عن ذواتهم مما يساهم في تحفيزهم للعمل أكثر في ذلك الاتّجاه.
ولأنّنا خُلقنا للسعادة لا للشقاء، يجدر بنا أن لا ننام قبل أن نستطعم حلاوة عمل خيرٍ أنجزناه، أو كلمةٍ طيبة قلناها، أو صفحٍ عن شخص وصلَنا أذى منه، ولا نؤجّل ذلك على أمل أنّ نقوم به غداً حين تكون الفرصة أفضل ويكون مزاجنا أحسن وتكون انشغالاتنا أقلّ، ولنتأمّل مع كلّ حلاوة نتذوّقها كيف لأيّامنا أن تكون لكي نلقى الله ونحن نفهم معنى “لاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ”.