حوار بين أول آية.. وآخر آية

“أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ” (1) النحل.

أتى أمر الله: أي قد صَدَر الأمر الإلهي، والكلام موجّه للمشركين، الذين ما برحوا يتبجّحون بطلب العذاب، إمّا مكذّبين أو غير مبالين ومغترين بقوتهم ومنعتهم، فإن كانوا مكذّبين فجوابهم بأنّ أمر الله قد أتى، أي قد صَدَر الأمر وقضي القضاء ولا مردّ له، وهو الآن أصبح قادمًا في الطريق كما نقول، أتى وإن لم يؤذن له بالدخول، فالقرار “الإلهي” قد اعتمد، والمسألة أصبحت مسألة وقت ليس إلا، هي الآن في حكم المحتوم.

أما إن كانوا يظنون بأنّهم قادرون عليه وأنّهم لا يخافون منه، فالآية توجّه لهم تهديداً صريحاً وقوياً في صيغة “لا تستعجلوه”، والتي تتضمن تعبيراً مبطّنا لشدة العذاب القادم وعظمة أهواله.

ثم تتضمن الآية رسالة تطمين للنبي(ص) وللمؤمنين المرابطين بأن الله معكم وناصركم، وعليكم الصبر وعدم الاستعجال، فإنّ أمر الله بخلاصكم ونصركم قد صدر.

أما آخر آيتين في السورة فتدعو إلى: “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)” فمادام الأمر صادرا والمصير محسوما، فالمطلوب من النبي(ص) أن يمضي في مسيرته صابرا، مستعينا بالله متعلقاً بقوله، الصبر بالله الذي يعني الثقة بوعده والركون إلى أمره، فهو المعتمد في ذلك لا سواه، ثم ليس عليه أن يحزن على ما آل إليه مصيرهم، ولا أن يصيبه الضيق أبدا، لأنهم سيستمرون في مكرهم وتآمرهم على النبي(ص)، إلا أنك –يا محمد- الآن تعلم وهم لا يعلمون، فما يضيرك ما يفعلون وأنت الواثق وهم المهدّدون.

تختتم السورة بأنّ الله تعالى مع الذين اتقوا ومع المحسنين، مع الذين يحفظون أنفسهم ثقة لما عند الله، ومع المحسنين الذين يبقون على مستوى أخلاقي ثابت ويفعلون الصواب مهما كانت الظروف والمتغيرات، الاتقاء يعني تجنب فعل الأخطاء والحذر من المزالق والمطبّات، والإحسان يقتضي التمسك بالدرب الصائب، والثبات في فعل الخيرات على أكمل وجه.

والدعوة إلى الصبر في الآية السابقة تتطلّب اتقاء وإحسان، اتقاء ردات الفعل، وتجنب حالات الضعف والخوار وتزعزع الثقة، وإحسان بالثبات على الاستقامة وأداء الأنسب والأصوب، ثم ببذل وتقديم الأفضل والأجود لجماعته الصابرة بل ولهؤلاء رغم علمه بخواتيهم.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة