مع المرأة- والحبس في البيوت

صرّح مؤخّراً أحد المشايخ بأنّ (النساء وظيفتهن القرار في البيوت وتربية الأجيال) ردّا على سؤال جواز ممارسة المرأة الرياضة المحتشمة! وبعض الاتّجاهات ألزمت المرأة البقاء (بالبيت) ومنعتها من (التعليم)، متعلِّقين بآية: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)(الأحزاب:33)، ومستندين لفقهٍ يرى المرأةَ للبيت وجهادَها بحسنِ التبعّل، فلا تخرج حتّى لمشاركة هادفة! لأنّ صوتها عورة فلا يبلغ مسامع الرجال! حتّى بالغ بعضهم بعدم خروجها إلاّ مرّتين في حياتها، مرّةً إلى بيت زوجها، والثانية إلى القبر! ويسندون هذه الرّجعية لنصوص وروايات مصطنعة، أو مقلوبة التفسير.

هذه العقليّة السائدة هي التي زجرها النبيّ(ص): (لا تمنعوا إماء اللّه أن يُصلّين في المسجد)، وأدانتها سيرةُ الصحابيّات بالإسهام بكلّ ميادين الحياة، فلم تفهم خيرةُ نساء الرعيل الأوّل هذا التعطيل لدور المرأة، فخرجت خديجة من (بيتها) تُجاهد، وخرجت فاطمة، وخرجت عائشة، لأنّ مُعلِّم تلك النساء كان محمّد(ص) وليس الأشباه!

تبدأ الحكاية من النصّ القرآني (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) فهو مِشجبُهم، وبسقوطِه يسقط جَمَلُهم بما حمَل، لقد وُظِّفت هذه الآية تشريعياً، وموعظيّاً، حتّى يندر أن تسمع خطيباً يعظ النساء ولا يلوِّح بها كالسيف الشاهر.

إنّ مشروع تحرير المرأة الحقيقي دشّنه النبيّ(ص) لتخريج المرأة (الطاهرة) (العليمة)، لإظهار (إنسانيّتها)، مناقضاً مشروع (الجاهليّة الأولى) المُظهِر (لبشريّتها)، فأركسها (بالإباحيّة) و(بالأمّية)، أي استعبدها بتحويلها إلى آلة (جنس) (جاهلة).

هذا يُفسّر فصول أفعال النبيّ(ص)، بدءاً من (إطلاق) النساء للعمل الحرّ العفيف في المجتمع و(حبس) المومسات فقط بالبيوت (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ.. فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ)، لإشاعة الفضيلة، ولنقضِ أعراف المجتمع الجاهليّ، التي أعاد إنتاجها الفكرُ (الديني) بعدئذ لا شعوريّاً، أعرافٌ تجعل المرأة (عورة) و(تفرض أمّيتها)، فتُصيِّرها في (جاهلية) تامّة، ففرض(ص) العلمَ (على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ)، وبدأ مشروعه (التطهيريّ) مِن الغرائز، التثقيفي للعقل (يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ)، فالمرأة متى (تطهّرت) و(تعلّمت)، سينتهي مسلسل استعبادها.

ولأنّ البعض لا يُبصر المرأةَ إلاّ (جنساً) و(نقصَ عقلٍ)، فلنْ يتصوّر تعدّداً لنساء النبي(ص) إلاّ امتهاناً لهنّ، لا خياراً حرّاً واعياً منهنّ، لتأهيلهنّ لمقام (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء).

سورة (الأحزاب) حكَتْ قصّة المشروع الذي غاب عن التفاسير، بدأ سبحانه يُقيم النموذج النسائيّ الهادف عبر نبيّه(ص) متجاوزاً الحرَج، فزوّجه طليقةَ زيدٍ بعد أن قضى زيدٌ وطرَه منها، فما عادت للأوطار، وزوّجه (نساءً) مُختاراتٍ بعناية، ورخّص لأرامل أنْ يهبْنَ أنفسهنّ له(ص) لصدّ أبواب طالبيّ الوطر فيهنّ، لإنشاء نموذج نسائيّ (طاهر)(عليم): (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى.. إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

وكان يُضادّه المشروعُ الآخر، والذي ظلّ سارياً عالميّاً باللاّدين وبالدين، مشروع استعباد المرأة وتهميشها، وأنّها لسيادة الرجل واستخدامه (تتبعّل له) و(تسجد له)(تلحس صديده) محبوسة بالبيت، أو تُخرَج كديكور رمزيّ -جنسيّ وسطحيّ غالباً- تُزجّ في مشاريعه، كان هناك المتشوِّقون لافتراس زوجات النبيّ(ص) لوأد النموذج المُحرَّر، وأحزابُ الجاهليّة كانت تُحاصر المدينة تريد اجتياحها لاستئصاله(ص) بقيَمِه الخطيرة، والمرجفون ينتظرون موته لاستحلال نسائه، والمهووسون جنسيا يتحرّشون بهنّ، فتتابع الوحيُ لصنع النموذج في بلعومِ الزوبعة، بادئاً ببيت النبي(ص) لينتشر في أمّته:

1- أوصى الوحيُ نبيَّه بترك أذى المتحرّشين، وتوعّد المرجفين بالنبذ.

2- زواجات النبيّ(ص) ليست لوجاهة الدنيا وللزينة، وخيّرَ مَن أرادت الزينة منهنّ بتطليقها.

3- فمنْ اختارت هذا البرنامج، سيتضاعف أجرُها إن أحسنَتْ، والتي تنتهكه سيُضاعف عذابُها أخرويّاً.

4- لن يُصبحن (بعد الآن) مشروعاً للنظر ولأحلام التزوّج، فقد صرنَ للمؤمنين (أمّهاتهنّ)، ولا يُنكحْنَ (مِن بَعدِهِ أَبَدًا)، مهمّتهُنّ (التطهّر) و(التعلّم).

5- و(لتطهير) قلوبهنّ، عليهنّ مخاطبة زوّار بيوتهنّ من وراء حجاب (ساتر)، والتستّر (بالجلباب والخمار) خارجَه، وعدم الخضوع الأنثويّ قولاً وسلوكاً، لتحرير إنسانهنّ من أنوثتهنّ.

6- لم يسمح للنبيّ(ص) بطلاق مَنْ تُخِلّ ببرنامج التأهيل (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ)، لكنّه سمح بإبعادها تأديباً (تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ).

7- تحويل (البيوت) لحوزات علميّة (وهكذا بدأت تاريخيّاً)، فأمرهنّ بالاستقرار في (البيوت) (كمدارسِ تعليم) لتذاكُرِ الحكمة، وهي الآية الموظّفة خطأ لتكريس الأمّية (وتحويل المرأة قسريّاً لناقصة عقل!)، ثمّ لامتهانها بزيجات الأربع وبالمتعة! (وقَرْنَ في بيوتكنّ.. وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَة).

بهذا أطلق المُحرِّرُ محمّدٌ(ص)، نموذجًا نسائيًّا، يُحاكي مريم (الطاهرة) (العليمة)؛ (طهّرها) الله عن الرجال وكفّلها زكريّا (لتعليمها)، نموذج (امرأة إنسان) ليس همّهنّ الذكور، هنّ (أمّهات) للمجتمع، ينخرطن بقضاياه السياسية والاجتماعية والتربويّة، امرأة هادفةً محترمةً، لم تخرج من بيتها لتصيد أو لتُصاد، بل (للتعلّم) و(للتعليم) ثمّ (للعمل) والخدمة العامّة، نموذج (عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ).

فالمُكافئ العصريّ لـ(وقَرنَ.. ولا تبرّجْنَ)، هو (محو أمّية المرأة) و(عدم اختصارها للجنس)، وغاية المشروع النبويّ التحريريّ للمرأة، بلغتنا:

1- حفظ (بيتها) الزوجيّ بقيَم العفاف، لترتقي (طهارةً).

2- ملازمتها (بيوت) العلم، كالمدارس والجامعات، لترتقي (علميّاً).

3- تنشط في المجتمع (كأمّ) لأفراده، تحمل قضاياه، فتتصرّف خارج (بيتها) (كإنسان) لا كأنثى، لترتقي (إنسانيّاً).

 

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة