نظمت جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية ندوة “المقاومة والدور الرسمي العربي ما بعد غزة” قدمتها الأستاذة فوزية رشيد وذلك مساء الأحد 8 فبراير 2009 في مقر الجمعية بالسلمانية، والتي تحدثت فيها عن إنقلاب المفاهيم في القضايا العربية وانقلاب المشهد، ومسألة الأمن القومي العربي وما أفرزته محرقة غزة، وتحدثت عن البعد الشاسع بين الأنظمة العربية وشعوبها.
وقالت الكاتبة فوزية رشيد إن “ما جرى في غزة يعبّر عن مأزق فطري وإنساني وقانوني وصلت له البشرية اليوم”، وأن الهمجية والإنسانية تمر بأكثر أطوارها تعقيداً، فالهمجية ترتدي ردائها الحديث ومع ذلك لا نرى لها معيار فهي ليست فقط مزدوجة بل متعددة حسب المناسبات والشعوب والظرف. وهذا بالفعل جعل من غزة ملحمة صمود وبؤرة تفجير لكل المفاهيم لدى الإنسان في كل العالم، لذلك رأينا شعوب وزعماء من العالم ثاروا في وقت لم يكن هناك صمت عربي فقط بل وتواطؤ.
وفي هذا الإطار طرحت أ. فوزية رشيد عدداً من الأسئلة المهمة، وقالت “لماذا مشاريع الإمبريالية وتكالبها هو على هذه الأمة تحديداً؟ وما الذي تمثله هذه الأمة إلى جانب النفط والموقع الاستراتيجي؟” وأجابت: “في نظري أن هذه الأمة بالفعل-وإضافة لما سبق- تمثل تحدي حضاري وقيمي وأخلاقي وإنساني لما وصلت إليه الهمجية في شكلها الحديث، وبالتالي فإن جزء من الاستهداف المستمر هو أيضاً هجمة وعدوان على استلاب الروح والعقل”.
وأضافت الأستاذة فوزية أن “موقف الزيدي مثلاً شكّل نقلة وصدمة للعقل الإنساني وبيّن أن الإنسان قادر على أن يقاوم حتى بأبسط الوسائل، فحذف حذاء أمام ممثل الهمجية في العالم لم يكن مجرد حدث عابر، بل هو تحول في الوعي الإنساني الى مواجهة كل هذا الظلم المتمثل في المحافظين الجدد في الثماني السنوات الماضية”.
وأسفت فوزية لعدم ترسخ انتصار حرب تموز 2006 في وعي الشعوب بحجم الانتصار الاستراتيجي الذي تحقق، لكنه في المقابل وعلى أرض الواقع كان مؤثرًا بالنسبة للمخططات الأمريكية، لافتةً إلى أن ما جرى في غزة هو انعكاس لما جرى في تموز2006.
وأضافت أن “العدوان الإسرائيلي على غزة لم يحقق انتصارًا بل سقوط أخلاقي مدوي لاسرائيل وبعض الأنظمة العربية الداخلة في المشروع الأمريكي، والتي كانت بالغة العري والوضوح، فلم تكتفي بالصمت بل سارعت لإدانة حماس بنفس الطريقة السابقة في حرب تموز التي قالوا فيها أن الجنديين هما السبب، أما الحقيقة فإن الحربين مخطط لهما مسبقًا لتنظيف الأرض العربية من كل روح مقاومة وممانعة حتى تمشي التسوية”.
وتابعت “إن محرقة غزة إضافة لما جسدته خلال العدوان والالتفاف الشعبي حولها، أنبأت منذ البداية بخلاصة المشهد العربي والعالمي، حيث كان هناك مواجهة بين ذروة الهمجية والوحشية، وبين علو صوت الإنسانية في رفضها”. وأضافت أن “محرقة غزة كشفت أيضاً فجاجة الحالة العربية فما الذي أوصلها إلى هذه الحالة الشائكة؟”
ودعت فوزية رشيد إلى عدم التفاؤل بشأن التغيير في المواقف الرسمية العربية فمن لم يهتز أثناء تقطع الأشلاء من الصعب تغييره، إلا إذا أجبرتها الشعوب! ولفتت إلى غرابة “التحرك لاستبدال العدو الإسرائيلي بالعدو الإيراني، فرغم وجود خلافات مع إيران لكنها ليست عدواً استراتيجياً للعرب، حتى يقوم العرب بعد العدوان بمهاجمتها دون اسرائيل!” وأشارت إلى هناك دعوة للعرب “لمحاربة عدو وهمي تم اختراعه لهم –في إشارة إلى إيران- رغم أن العرب لو أحسنوا التفكير الاستراتيجي لكانت القوة الإيرانية لصالحهم لا عليهم”.
وقالت فوزية رشيد أن “مفهوم الأمن القومي العربي تعرض لأهم وجه من وجوه انقلاب هذا المشهد، فلقد تحول مفهوم هذا الأمن… إلى أمن بعض النظم العربية التي تعتقد أن بقاءها في السلطة مرتبط بالتبعية المطلقة للمشاريع الأمريكية والصهيونية، وهذا يجعلها تعمل على جر الدول العربية الأخرى، والتحايل على شعوبها”.
ومن الجدير بالذكر أن الكاتبة فوزية الرشيد كانت قد نشرت مجموعة من المقالات في فترة العدوان الإسرائيلي على غزة، وأشارت إلى إيمانها بقدرة الشعوب بحدسها وفطرتها على معرفة الحقائق، وأوصت الشعوب بالوعي “فالمسؤولية الآن ملقية على عاتق شعوبنا كي نعرف ما الذي يحدث؟ ولماذا حدث ما حدث؟”