“أحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ” –العنكبوت 2

من يتخذ الله سبيلاً، ويدرك الغاية من وجوده، ويوجّه بوصلته باتجاه ما ينفع الإنسانية، ويختار أن يقرن حياته برسالةٍ عنوانها الخير والصلاح والمحبة، فإنّ الشوك حتماً سيلاقيه! فما أصعبه دربَ الصالحين، وما أوجعه طريق الحق، فكلنا يعلم بقلة سالكيه، ونعلم كذلك من هم الذين بذلوا مهجهم في هذا الطريق وأين صاروا وكيف حققوا مبتغاهم.

إنّنا مأخوذون بالفتن، لا بد أن يُختبر إيماننا، هي سنَة الله في خلقه، تنتظرنا مراتب ودرجات متاحة فقط لمن يستحقها، والحكمة تقتضي أنّ كل من يتحمّل مسؤولية تغيير أو إصلاح، فإنّه سيواجه الصعاب والمحن، وهنا تبدأ معركته الحقيقية، فصراع الخير والشر والحق والباطل، يبدأ من الداخل أي من النفس! صراع يجرّ صاحبه لخوض معركة كرّ وفرّ، شطبٍ وإضافة، أبطالها النفس الأمّارة بالسوء مقابل الضمير الحي الذي ما إن تنساه حتى يبدأ بالاضمحلال وصولاً لمرحلة العطب!

الفتن دائمة، لن تتوقف أبداً، لأنّ المراتب والدرجات كذلك لا حدّ لها، ولا مفرّ لنا إلا بمواجهتها، فإمّا الانجرار لمزالقها عبر تجاهل صوت الداخل (الضمير)، أو مواجهتها بما نملك من وسائل وأساليب.

فإن كانت الرسالة التي يحملها الإنسان منطلقة من قناعاته وعقيدته من جهة، ومنسجمة مع الطبيعة الخيّرة من جهةٍ أخرى، فسيسهل عليه التمسك بها ومقاومة المنزلقات، والعكس صحيح، إذ لن يجد صعوبةً في التخلي عنها واعتناق أخرى، .. وحدها معتقداتنا التي تحدّد لنا رسائلنا في الحياة، لذا فلنوحّد معتقداتنا مع رسائل حياتنا حتى لا نضيع بين ما نؤمن به وما نفعل.

من الوسائل المهمة كذلك، ضبط أعمالنا وسلوكنا ليكون انعكاساً فعليّاً لما نؤمن به، لأنّ التعارض يعني احتمال السقوط في مطبات الفتن، ومن الصعوبة جداً أن نصمد، لأنّ إحدى غايات الفتن كشف الزيف وإظهار البريق، لذا فإنّه لابدّ أن نحدّد خطوطنا الحمراء، وأن نرسم طريقاً واضحاً نسير عليه.

من النافع أيضاً أن نستمع لصوتنا الداخلي، نعمل على تنقيته باستمرار، نرفع من كفاءته وقدرته على اكتشاف ذواتنا، نضعه تحت الصيانة دوماً، نهتم به ونطوّره ليصبح أكثر حساسية ودقّة على الدوام.

وهبنا الله الضمير أو النداء الداخلي، وهو أهم سلاح في المواجهة، إنّه الصوت الذي ينادينا على الدوام، لا يتوقف عن قرع الأجراس المختلفة ليحفظنا من الزلل، طبيعته الحساسة جعلته دقيقاً، ملفتاً، رناناً وكثيراً ما يصنع ضجيجاً ليكدّر صاحبه فيمنعه من الوقوع في الأخطاء، لكن مقدار الاستجابة هي التي تحدّد مقدار المناعة، وفي كلّ مرة يتجاهل الإنسان نداء الداخل فإنّه يتراجع خطوة في الاتجاه المعاكس، وصولاً إلى التوغّل في الضياع والتيه.

الفتنة ظاهرها شر، وباطنها خير، لأنّها مؤشر يدلنا على مواقعنا الحقيقية من مبادئنا وعقائدنا، تبرهن لنا إن كنّا لا نزال متمسكين بالفعل بأدوارنا التي اخترناها، مستعدين لأداء رسالتنا، ومؤتمنين على عهودنا.

لا سبيل أمام الإنسان إلا أن يتساءل على الدوام أين يقف من قيمه ومعتقداته، وما هي عدته لمجابهة الفتن المحيطة به، وكيف له أن يضمن النجاة في وسط شبكة من الابتلاءات؟

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة