تفنن اليهود في التزوير، وتوارثوه جيلاً بعد جيل، وجهدوا جهدهم لأنَّ يبقى تزويرهم وكذبهم على الله ورسله منطلياً على النّاس فأضفوا على ما جنوا هالة التقديس فجعلوا تاريخهم جزءاً من دينهم وشريعتهم فبدا هذا التاريخ للكثيرين وكأنَّه موحى بأدق التفاصيل من الله إليهم عبر الأنبياء والرسل، فأصبح ديناً لا مجال إلا التسليم به وتصديقه وإن تعارض مع العقل والفطرة والأدلة والبراهين العلميّة.
القرآن قد بيَّن أنّ الملأ الأعلى اختصموا، وأن اختيار الخليفة الإنسانيّ من أولئك البشر الهمج السابقين الذين تطوّروا سلالياً عبر عشرات الآلاف من السنين، ولمْ يُثبت القرآن أيّ اختصام واحتجاجٍ لهم حين خلق البشر الذي ظلّ ردحاً يسكن الكهوف ويسفك دماء بعضه ويُفسد لا واعياً.
لقد وجدته!.. لقد عرفت كيف كانوا يخنقون الحقيقة أمام أعيننا تمهيداً لاستبدالها بالوهم، فما بعد النور إلا الظلام. عرفت كيف كانوا يخطفون تراثنا ثم يكتبون لنا الظلام بنفس توراتية ضبابية ويقولون لنا (هذا من عند الله) ليشتروا به ثمناً بخساً.عرفت كيف فرقوا بيننا وبين أجدادنا وكيف حالوا بيننا وبين مخزون تراكمات علومنا السماوية النقية التي جاء بها أجدادنا من أنبياء ومرسلين منذ أقدم العصور.
إنّ قراءة متعمّقة في التراث العربي الديني تكشف لنا عن حقيقة الإيمان العميق لدى العرب الأقدمين بالإله الواحد الأحد، الذي خلق السماءَ والأرضَ والماء والهواء والدوابّ، بل تكشف عن معرفتهم بالكيفية التي تمت بها عملية الخلق تلك، وأنّها تمت بواسطة الملائكة الموكلة بتدبير شئون الخلق وفق إرادة الله سبحانه.
من أهم أسباب شقاء الإنسان اليوم هي “الغربة” التي يعيشها مع الطبيعة، فالفجوة كبيرة بين الإنسان وأمّه “الكونية” الطبيعة، وكلما ازداد تحضراً ورقياً في مجال العلوم والتقنيات، كلما ازداد بُعداً وعقوقاً لها وأمعن في تدميرها والإساءة إليها، جاهلاً بحقوقها ومتطلباتها، وأوضح مثال على ذلك الانتهاكات البيئية واستنزاف الموارد الطبيعية والإفساد في الأرض بشتى أنواعه.
ترى كيف استطاع أناس مشتتون في أقطار الأرض أن يجتمعوا ويوحّدوا جهودهم، ويتلاقوا بآمالهم؛ لينجحوا في كسر طوق الفرقة والغربة، ويقيموا كياناً موحّداً ولو إلى حين سمّوه “إسرائيل” ؟ ثمّ كيف تمكّن هؤلاء المشرذمون أن يتحوّلوا بضمائرهم ومشاعرهم نحو ما يسمونه ” أرض الميعاد ” لتغدو هذه المقولة وأمثالها ثقافة عامّة مقدّسة تتفاعل بقوة وحماس داخلهم ؟
إنّ أمتنا اليوم لم تنته إلى نهايات يسكن إليها رأيها العام، وترتضيها أسلوبًا للحكم ينسجم مع مقاصد الإسلام، ولاعتقادنا بأهمية الجدل في هذه الناحية المهمّة إلى أن تصل الأمور إلى القناعات النافعة المفيدة، لعل الأمة تبلغها ذات يوم، فإننا نطرح هذا الملف حول بعض قضايا الدولة في منظورنا التجديديّ، معتقدين بصحة من قال بأن طبيعة الدولة في الإسلام منذ البداية هي أقرب لقيَم الديمقراطية.
لماذا أصبحت قيمنا العليا من قبيل التسامح، والإنصاف، وحبّ الخير للآخرين، والنجدة، والكرامة، والسيادة على النفس، ونصرة المظلوم، وعلو الهمة، والعدل، والمساواة، وغيرها ممّا ينبغي أن نتمسّك بها كمن يقبض على إيمانه في الزمن الرديء (كالقابض على الجمر)، لماذا أصبحت تلك القيم في مجتمعاتنا العربية واهية، هشّة كقشر البيضة بحيث يتحتّم علينا التعامل معها بحذر شديد؟
حكاية شمشون الجبّار، مثّلتها السينما العالمية والعربيّة أفلاماً ومسلسلات، وأُلّفت قصةً للأطفال، وهي حكاية طالما ردّدناها ونحن أطفال، وتفاخر قويّنا أنّه مثل شمشون، شمشون الذي كانت قوّته في خصلات شعره، وأحبّ “دليلة” وباح لها بسرّ قوّته، فخانته وقصّت شعره وهو نائم ففقد قوّته.
لقد ظهر الاختلاف كنتيجة طبيعية لحرية الفكر، ولتباينات الميول والطبائع، ونتيجة الاستجابة للحث على طلب العلم، إلا أن السياسة وطغيانها أفسدت الحالة الإنسانية وأخرجتها عن الحد الطبيعي المقبول للاختلاف الفكري إلى تمذهب عصبوي متشاحن بالتنازع والافتراق، وأصبح المسلمون بعد مدة غير بعيدة من رحيل نبيهم الأعظم (ص) فرقاً متنازعة تؤسس لعقائدها الحمائية التي تعزل بينها وبين الآخر.