راكم الرسول منذ الصغر من المعارف وخبرات الحيالة كا أهلته للصدع بأمر الرسالة وهو في الأربعين حين من الله عليه بالوصال فوجد ضالته (ووجدك ضالاً فهدى)، وانكشف له من أسرار الحقيقة ما تميز به عن سائر الخلق، فهو بشر مثل سائر الخلق ولكنه الآن يوحى إليه.
لو وعى قادة المسلمين وعلماؤهم درساً واحداً فقط من سيرة رسول الله (ص) لجنبوا المسلمين العديد من الأرواح البريئة التي تزهق كل يوم بسبب غياب روح رسول الله (ص) عنا، ولاستطعنا أن نوحد سهامنا إلى عدو الأمة الحقيقي الذي ما فتئ يكيد لها، كما كاد عتاة اليهود أيامه (ص).
لأننا اختزلنا المعلم الأكبر (ص) بدور مفتي حلال وحرام، فاتنا أكبر ممارساته التهذيبية والأخلاقية والروحانية والإدارية والإنسانية، ففقدنا التأسي الحقيقي به في كل جوانبه الحياتية من جهة، وفقدنا الحياة معه من جهة أخرى، ولذلك لن نعرف ما الذي فعله الرسول الأسوة (ص) حقاَ من تلك الروايات المتزاحمة، وما علة فعله أو تركه.
حق هذا النبي الهادي أن نقرأه بعين الضال الباحث عن الهدى، لا نمل من قراءة سيرته كما لا نمل من أداء صلواتنا اليومية لأن لكل صلاة مشاعر خاصة لا تتكرر قبل ولا بعد.
كانت العمرة ذريعة الرسول (ص) إلى مبتغاه، فالقتال ليس غايته بل طارئ مفروض عليه، إنما له في الصلح غاية، وهو أن يكون حراً في تبليغ دعوته بسلام، لمن يشاء من الناس، وما تزال قريش عرقالاً كبيراً في هذا الطريق، وهو (ص) يرى أن لابد من تذليل هذه العقبة.
من طفولة محمد (ص) وصباه وشبابه، نستطيع التماس انسانيتنا، من تجاربه وعقله وفطرته وروحه ولو بعيدا عن دور الوحي في توجيه مواقفه وبناء قراراته، ولعل المواقف التي يوجهها الوحي الرباني تصبح مانعاً أمام التأسي والقدوة عند الكثيرين، جاعلين طاقة الوحي وتسديده سبب عظمة محمد، في حين أعلم سبحانه (الله أعلم حيث يجعل رسالته).
قبل بعثة النبي (ص) انتقل التحريف إلى كل مفاصل المجتمع من المعارف العليا التي تشكل بدء الخلق وخلق الإنسان وأخبار السماء، إلى مسخ تاريخ عظماء الأمة واستبدالهم بالسلاطين، إلى تحريف الجغرافيا وتمليك الأرض من لا يملكها، ورفع الوضيع ووضع الرفيع.
قد لا تستطيع أن تكون نبياً فقد حكم أن لا نبي بعده (ص)، لكنك تستطيع حتماً أن تكون (إنساناً محمدياً) كما كان هو قبل بعثته، تحاور دخيلة ذاتك لترى كنزك الكامن فتبدأ تزيل طبقات الغبار عنه.