التطيّر إلى أين؟ – بقلم: منى كاظم “قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ” (يس:18-19). التطيّرُ هو التشاؤم،ُ فقد كانوا في الجاهليةِ يتفاءلونَ ويتشاءمونَ اعتماداً على “الطيرِ”، فإذا خرجَ أحدَهُم لأمرٍ ورأى الطيرَ طارَ يُمنةً تيمنَ واستمر، وأن رآه طارَ يُسرةً تشاءمَ ورجع، ثمَّ غلبَ استعمالُ لفظِ التطيّرِ على التشاؤمِ خاصةً. في سورةِ يس تذكرُ الآياتُ جوابَ القومِ للمرسلين “إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ“، جوابا ردّدته جميعُ الأقوامِ، وكانت إجابةَ المرسلين أيضا واحدة، برفضِ هذا الاتهام، وتحميلِ القومِ نتيجةَ مواقفهم بدلا من دعوى التطيّر بهم؛ فقومُ صالح ع قالوا: “اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ –فأجابهم- قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ” (النمل-47)، وقوم موسى ع: “وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ”( الأعراف-131). ومعنى “طائركُم” أو “طائِرهم” عند الله، بأنَّ محصلةَ مواقفكم الناتجةَ عن عنادِكم واستكباركم هي سببُ تطيّركم، وليس الرسلُ سببُه، وما تتطيرون به “عند الله”،…
رتِّبْ فِراشِك! في طُفولتي، وأيامِ (جهالتي)، كانت لديَّ فلسفةٌ غريبةٌ تُخالٍفُ نظريةَ أميَ الحكيمةِ في التربيةِ، ففي كلِّ صباحٍ – بِلا استِثناءٍ – كانت تمرُّ على غُرفتي لِتَحِثَني على ترتيبِ سريري قبلَ الذهابِ إلى المدرسةِ!! وكانَ هذا الطلبُ مِنْ أكثرَ الأمورِ التي تُغيظُني، فكمْ تجاهَلتُه، وكابَرتُ، بلْ واخترعْتُ لِنفسي سَفْسَطَةً عقيمةً لكي أتهرَّبُ مِنْ هذا الروتينِ اليومي، فكنتُ أُكرِّرُ على مسامِعِها: “أنا سأعودُ للنومِ على هذا السريرِ مرةً ثانيةً الليلةَ فلماذا أُرتِّبُهُ ؟!!”، وكنتُ مؤمنةٌ بصحةِ هذه الفلسفةِ، وطبَّقتُها كلما استطعتُ أنْ أُفلِتَ مِنْ رَقابةِ أمّي ومتابعتِها الحثيثةِ لي، والتي يبدو أنها كانت تستندُ على قيمةٍ جوهريةٍ لمْ أتوصّلْ إليها إلاّ بعدَ سنينَ طويلةٍ مِنْ العِنادِ والمُناكفةِ، فقدِ اكتشفتُ، بعدَما خرجتُ مِنْ مرحلةِ الطفولةِ والجهالةِ، إنَّ هذا الطلبَ – ترتيبَ السريرِ يوميًا – والإصرارِ على تنفيذهِ هو منهجُ حياةٍ يُنصحُ بهِ الحكماء. بينما كنتُ أتصفحُ أحدِ الكتبِ الروحانيةِ استوقَفَتني هذه العبارةِ : “ذِهْنُ المرءِ مثلُ سريرِهِ إِذْ عليهِ ترتيبَهُ كلَّ يومٍ، فليسَ في العالمِ ما هوَ أقوى مِنْ ذِهْنٍ مُرتَّبٍ…
كلمة الله في التوبة وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ تُتداوَل هذه الآية الكريمة كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي تحفيزاً وحثّاً على الاستغفار قبل انقضاء الشهر الكريم، تُتداول بصورة يبدو فيها شيء من السذاجة أو التسطيح لفكرة التوبة، وقد يكون ذلك متفهَّماً بالنظر إلى النفس البشرية التوّاقة للبحث عن الراحة النفسية بالتمنّي، فإنها تقفز إلى النتائج “يُرسل السماء عليكم مدراراً” دون أن تقف عند المقدّمات “استغفروا ربّكم ثم توبوا إليه”، فتغري قارئ الآية العجول على توقّع هذه النتيجة السخيّة بتحريك اللسان بقول “استغفر الله وأتوب إليه”، دون بذل أدنى جهد لتدارك أو محو آثار الذنب الذي ارتكبه، وهذا مخالف لنواميس الكون وسنن الله. الآية نداء من النبي هود (ع) لقومه يحثهم على أن يطلبوا العفو من الله (استغفروا ربّكم) عمّا بدر منهم من شرك صريح حتى أنه وصفهم بـ”إن أنتم إلا مفترون”، ثم تدعوهم إلى العودة إلى الله (توبوا إليه) والرجوع عن المعصية إلى الطاعة، فهناك خطوتان ابتدائيتان…
كلمةُ الله ِفي “معيته” لأوليائه.. نحنُ.. ومعيّةُ الله “لا تحزنْ، إن اللهَ معنا”.. كلمةٌ تحملُ شحنةً روحانيةً عالية، جاءت على لسانِ رسولِ الله (ص) في ظرفٍ عصيبٍ جداً، حيثُ تكالبَ عليه أعداءُ الرسالةِ وقرّروا القضاءَ عليه في مكّة فدبّروا مؤامرةَ قتلِه، ولما عجِزوا عن ذلكَ تتّبعُوا خطواته في طريقِ الهجرة، ولكن اللهَ سلّم. وأخرى تشبهها.. قالها النبيُ موسى (ع) بعدمَا فرَّ معَ مَنْ آمنَ معه مِنْ بني إسرائيل وكادَ أنْ يدركهم فرعونُ وجنوده، فصرخَ قومه خائفين: “إنّا لمدرَكون” فردَّ عليهم بثقةٍ تامةٍ باللهِ سبحانه وتعالى وقلبٍ راسخ الإيمان: “كلا، إنَّ معيَ ربي سيهدين”. فهلْ هذهِ المعيةِ الإلهيةِ منحصرةٌ على أنبيائه (ع) دونَ غيرهم من خلقِ اللهِ وعباده، أو أنهَا رسالةٌ سماويةٌ بعثها اللهُ لنا عبرَ رُسله ليكونوا أُنموذجاً يُحتذى في الثقةِ باللهِ واللجوءِ إليه حينَ تتقطعُ بنا السبلُ فيمتدُّ حبلُ اللهِ من السماءِ ليذكّرنا بأن ” لا نحزنْ لأن اللهَ معنا” فنتحصّنُ معنوياً ضدَ السقوطِ في الحزنِ والقلقِ والهمِ وغيرها من حالاتِ ضعفٍ نفسيةٍ حين نتذكرها، وأن “ربنا معنا سيهدينا”…
فصرخنا.. لماذا يا ربّ؟! (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة: 6 كُنّا ننعمُ بالخروجِ من بيوتِنا بِلا أدنى حرجٍ أو مشقة، نذهبُ حيثما شئِنا؛ داخلَ أو خارجَ البلاد، نتحركُ بكلّ حريةٍ وسلاسة. ولم ندركْ بأنها نعمة!! كنا نتزاورُ مع أهلِنا وأصدقائِنا وأحبتِنا وقتمَا نشاء، ولم ندركْ بأنها نعمةٌ إلا حينَ غّلقَ كورونا علينا الأبواب. كنا نتصافحُ ونقبّلُ ونعانقُ الأحبةَ والأهلَ بكلِ شوق، ولم ندركْ بأنها نعمة!! إلا حينَ صارت المقاربةُ والمصافحةُ أمرًا يثيرُ الريبَ والمخاوف. كنا نشتري ونتبضعُ ما يُغَطِي حاجاتِنا وما يزيدُ ونحملُ أغراضنا بكلِ حريةٍ ومن دونِ التفكيرِ في كمْ يد لمست تلك الحاجات؟ ولم نفكرْ بأنها نعمة!! إلا حينَ بدأنا نهتمُّ بالتعقيم ونلتفتُ ونتحاشى تلكَ الأيدي من لمسِ ما اشتريناه كي لا تكون إحداها هي من تحملُ الوباء. أجل تلكَ النعمُ الشائعة؛ نعمةُ اللمسِ والتقاربِ والخروجِ بلا قيود، نعم اختفت عن رقابةِ وعينا بالأمس، ونفتقدها اليومَ بعدَ أنْ طرقت كورونا وعينا. حتى أصبحنا نحسبُ ألف حسابٍ…
فصرخنا.. لماذا يا ربّ؟! (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة: 6 كُنّا ننعمُ بالخروجِ من بيوتِنا بِلا أدنى حرجٍ أو مشقة، نذهبُ حيثما شئِنا؛ داخلَ أو خارجَ البلاد، نتحركُ بكلّ حريةٍ وسلاسة. ولم ندركْ بأنها نعمة!! كنا نتزاورُ مع أهلِنا وأصدقائِنا وأحبتِنا وقتمَا نشاء، ولم ندركْ بأنها نعمةٌ إلا حينَ غّلقَ كورونا علينا الأبواب. كنا نتصافحُ ونقبّلُ ونعانقُ الأحبةَ والأهلَ بكلِ شوق، ولم ندركْ بأنها نعمة!! إلا حينَ صارت المقاربةُ والمصافحةُ أمرًا يثيرُ الريبَ والمخاوف. كنا نشتري ونتبضعُ ما يُغَطِي حاجاتِنا وما يزيدُ ونحملُ أغراضنا بكلِ حريةٍ ومن دونِ التفكيرِ في كمْ يد لمست تلك الحاجات؟ ولم نفكرْ بأنها نعمة!! إلا حينَ بدأنا نهتمُّ بالتعقيم ونلتفتُ ونتحاشى تلكَ الأيدي من لمسِ ما اشتريناه كي لا تكون إحداها هي من تحملُ الوباء. أجل تلكَ النعمُ الشائعة؛ نعمةُ اللمسِ والتقاربِ والخروجِ بلا قيود، نعم اختفت عن رقابةِ وعينا بالأمس، ونفتقدها اليومَ بعدَ أنْ طرقت كورونا وعينا. حتى أصبحنا نحسبُ ألف حسابٍ…
حالما نفقد اتصالنا بالسبب الذي به منحنا الله سبحانه وتعالى نعمة ما، نبدأ بتجريدها من غايتها السامية والروحانية، وننظر إليها بخواءٍ نظرة بشرية بحتة، فنفقد المنظور الصحيح الذي يرى الصورة كاملة، ليحلّ محلّه سراب سطحي ضيق. نعمة “الأكل“ هي إحدى تلك النعم التي أعطانا إياه سبحانه لغرض ما، فغاب أو تشوّش ذلك الغرض أو أريد له أن يغيّب لأغراض بشرية طامعة، ليحلّ محلّه حبّ الأكل بشهوة وإفراط، والمبالغة في التعلّق به. والسؤال هنا؛ لما أعطانا سبحانه هذه النعمة، يا ترى بم وصانا؟ وكيف أراد لنا أن ننظر لها؟ هل هي محض شهوة ومتعة ولذة نتصرف فيها كيفما نشاء؟ أم هي منحة وعطية يتوجب علينا رعايتها بحكمة وحسن تدبير؟! ولنعثر على الجواب، عدنا للمرشد والكتاب الهادي، المليء بالوصايا والتعليمات الراقية التي صممت على مقاس الإنسان ولصلاحه، لنجد أنّ جميع الوصايا التي تبتدئ بـ”كُلُوا” من الطيبات والثمر والحلال الطيب، لم تأتِ منفردة ومفتوحة على مصراعيها، وإنما اقترنت دائماً بتعليم آخر يقوّمها ويوجّهها، ليجعل من الشهوة البشرية الهمجية سلوكاً حضارياً رفيعاً يتسق مع…
القرآن دليل المستخدم (User Guide) لحياة الانسجام والسعادة أليس غريباً أن نصف القرآن الكريم بأنه “دليل المستخدم”؟! دليل لماذا؟ ولمن؟ وكيف؟ ثمّ ما هو دليل المستخدم؟ وما علاقته بالقرآن الكريم؟ أما “دليل المستخدم User Guide” فهو وثيقة تُرفَق مع بعض المنتجات ليتعرّف الأشخاص الذين سيستخدمون هذا المنتج على طريقة استعماله المثلى والاستفادة منه أقصى استفادة، وعادة يُكتب من قبل مخترع أو صانع المنتج لأنه هو الخبير بتفاصيله. هذا التعريف يمهّد لتوضيح العلاقة بين “دليل المستخدم” و”القرآن الكريم”.. فالله سبحانه وتعالى خالق الإنسان، وهو العالم بأدقّ تفاصيله من غرائز ورغبات، وحاجات مادّية أو معنوية، خبير بنقاط قوته وضعفه، عليم بضرّه ونفعه، وما فيه خيره وما هو شرّ له، فهو يعلم كل صغيرة وكبيرة تخصّه، وبحكمته وضع القوانين التي تحقق له السعادة والفلاح، ورسم له طريق الرشد والحكمة، وبصّره بما يجنّبه الرذيلة والضلال، ثمّ أودع كلّ ذلك في كتابه الكريم واختار أشرف خلقه (ص) ليكون حلقة الوصل بينه وبين الناس، وتجسيداً للإنسان الكامل ومثالا يُحتذى. فإذا كنّا نحن صنائع الله سبحانه…
الهروب من الأنانية بقلم: عبدالهادي طريف شهر رمضان الفضيل يفتح أبوابه لممارسة هجرة الأنا باعتبارها تقوقع في النفس وباعث للشح؛ يهجرها ليقترب من فضاء الروح، فيعظم عنده الشعور بالسعة والتحفز للعمل؛ والتمثل بالقيم الإنسانية. شهر رمضان محطة للتراحم والتلاحم وخصوصا في هذه الظروف الصعبة. هذا الظرف الذي يمتحن إنسانيتنا وصدق انتمائنا لإيماننا وقيمنا. من مصاديق هذا الامتحان؛ التواصي؛ بأن يكون الآخر هو محط نظرنا واهتمامنا وبؤرة تركيزنا. فهل نستدعي قيمة “الجار قبل الدار”؛ وأن حاجاته أولى فنلبيها ونقدمها على حاجاتنا؟ هل نتشاعر مع اخواننا؟ هل نتلمس عوزهم؟ هل نسعى لاسعادهم؟ قد يكون في محيطنا معوز فقير، وقد يكون هناك ميسور في ظرف عسير؛ لا فرق؛ فالانسان قد ترهقه ظروفه المادية، وقد تخذله عاداته وطباعه؛ وفي الحالين يحتاج لمن يمد له يد العون. بعضهم بحاجة للمال والمؤونة، وبعضهم بحاجة للكلمة الطيبة والشخصية الرحيمة الرفيقة؛ بل أن كثيرا من الناس حاجاتهم ليست مادية، ولو التفتنا لوجدنا في محيطنا ميسورا مرفها تقطعت به سبل الاستواء النفسي؛…
مقال بمناسبة يوم الضمير العالمي 5 أبريل استغاثة الضمير في يوم الضمير العالمي بقلم: رابحة الزيرة الجنرال، السيد، تسونامي، صدمة، عدوّ الحياة، فايروس كورونا المستجد، أو سمّه ما شئت.. فهذه وغيرها تسميات وأوصاف أُطلقت على هذا المخلوق الميكروسكوبي، الذي حيّر العالم وأنهكه قبل أن ينهي مهمته، حيّر العالم بما تركه من آثار كبيرة على كلّ قطاع، وكل مجال، وكل فئة، وكل طبقة، وكل شيء بلا استثناء وبلا مبالغة، فأي شأن من الشئون التي أثّر عليها كورونا سنتناول في يوم الضمير العالمي؟ هذا ما سيتبين بعد سرد طرفاً من الأخبار العالمية المتداولة فيما له علاقة بآثار تفشي هذا الفايروس: الحكومة الفدرالية الأمريكية تصنّف محلات بيع الأسلحة من الضرورات وتستثنيها من الحجر! والبيع يزدهر! والمحلات مزدحمة! وبالتالي ارتفعت مبيعات الأسلحة في الولايات المتحدة، وبالأخص تلك التي انتشر فيها الوباء بدرجة أكبر، وقال أحد العاملين في متاجر بيع الأسلحة أنه يشهد صفوفاً طويلة من الراغبين في شراء الأسلحة! رصدت مستشفيات ألمانية “اختفاء” زجاجات سوائل التعقيم المتاحة للجميع عادة عند مدخل المستشفى وفي غرف…