قبل ثلاثين سنة أوّل ما مسّ مقعدُه مقعدَ الحكم، قال: لن أرحم أحدًا يمدّ يدَه إلى المال العام حتى لو كان أقرب الأقرباء، فإنّي لا أحبّ المناصب، ولا أقبل الشلليّة، وأكره الظلم، ولا أقبل أن يُظلم أحد، وأكره استغلال علاقات النسب.. وأتبع بمناسبةٍ أخرى الكلّ سواءٌ عندي أمام القانون، ونحن لا نريد قانون الطوارئ، ولتدعيم صدقه أعاد وكرّر: سأعاقب لصوص المال العام.. مؤكّداً أنّ مصر ليست ضيعةً لحاكمها.. أليس كلّهم هكذا يقولون، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ إنّ جميع ما فعله اللاّمبارك نقيض قولِه تماماً، بل كأنّه حدّد بقوله ما ينبغي عليه فعله، فمصر التي لن تكون ضيعةً لحاكمها استحالت بأرضها وجوّها وسواحلها عزبةً له ولأبنائه وشلّته مِن لصوص المال العام، دونما داعٍ لأن يشتري أرضاً ضخمة تُقدّر بالملايين بقيمة جنيهٍ أو بدينار، ومع أنَّه يكره الظلم ولا يقبله لواحد، فقد قبله للجميع فظلمهم وسحقهم، ولأنّ الكلّ عنده أمام القانون سواء، فقد ساواهم بقانون البطش والحرمان من الحقوق والحرّيات والقرار، ولأنّه لا يريد قانون الطوارئ فقد تركه لثلاثين سنة، هي…
تعالوا نتحاور حول خلافنا بدل أن نتقاتل”، “لابد من الحوار لحل القضية”، “نؤمن بالحوار لحل المشاكل العالقة”، “يجب أن يكون الحوار شاملا لكل الأطراف”، “يجب أن تكون هناك ضمانات لنجاح الحوار”، “لابد من تحقيق بعض الشروط لإقامة الثقة قبل بدء الحوار”، “لا حوار مع القتلة”، جلبة كثيرة تثار في كل يوم منذ أن أعلن ولي العهد الدعوة إلى طاولة الحوار كسبيل للخروج من المأزق. سرعان ما ألحف كثيرون السير نحو الطاولة، جماعات ووحدانا، كل يبحث لنفسه عن مقعد يريد أن يكون لوجهه إطلالة ولو من كوّة من الصورة تدل على أنه كان موجودا، وأنه على أهبّة الاستعداد لتولي المسئولية، فتنادى من لم تنفعه فرديته إلى التكوّن جماعة، مع أنّ منهم من هو منتمٍ لجماعة في مفروض الحال، ولكنّه أراد أن يبدي استعدادا شخصيا لن يتجلى فيما لو كان تحت لواء جماعته، ومنهم من يبحث عن باب يرضي ضميره ولو بشيء يسهم فيه، ومنهم من أراد رفع العتب ليس إلا، ومنهم ومنهم… كلّ له شأن يعنيه. وتنادت الجماعات إلى الاتحاد جماعة…
لقد بات من المؤكّد أنّ تغييراً مهماً سيطرأ على البنية السياسية في البحرين، وذلك بعدما أقنعت التضحيات الجسيمة والشجاعة التي قدّمها شباب البحرين البطل أغلب الأطراف الداخلية والخارجية على أنّ التغيير بات ضرورياً وأنّ وقته لم يعد يحتمل التأخير. ونحن الآن أمام أخطر مرحلة يمكن أن تجعل مستقبلنا القريب شراً محضاً أو خيراً سينازعه الشر حتما ثم سيستقر، والأمر يعود إلى حكمة القوى الاجتماعية الفاعلة في الساحة: العائلة الحاكمة ومن يرتبط بها من العوائل العربية، القوى الشعبية السنية التقليدية والدينية ومعها القوى الليبرالية الشكلية وغالبية تجار البحرين، والقوى الشعبية الشيعية التقليدية والدينية ومعها القوى الديمقراطية والوطنية وقسم مهمّ من التجار. نعلم أنّ هذه الأجواء العاطفية أبعد ما تكون عن القدرة على سماع نداء العقل، ولكن نعلم أيضا أنه لا بدّ من الاستماع لندائه كي يجني الجميع ثمار الحركة نفعًا بأقلّ ضرر، وإلا فقد يؤول الأمر كله إلى ضرر على الجميع وبدون منفعة. لا نريد لبلادنا أن تتأرجح بين النصر والهزيمة، فالنصر والهزيمة قاموس لا يصلح بين المواطنين الذين لا يملكون…
على الكثيرين تقديم اعتذار، ولو قلبيّاً، لشباب الوطن العربي، أولئك الذين تم الاستخفاف بهم، والتقليل من شأنهم، وتهميشهم، ووصفهم باللامبالين والاتكاليين وغير المسؤولين والمحبّين للدعة والراحة، تم وصمهم بشباب الإنترنت الذي يحاول محاكاة الغرب، والغريب عن هويته الوطنية وعن همومها، وتمّ تعميم هذه الصورة بحيث شملت معها الشباب المتعلّم والأقل تعليماً، والذي يتحدّث لغة أجنبية ومَن بالكاد يجيد لغته، بل وكلّ شرائح الشباب. ولكن ما حدث في تونس ومصر بيّن لنا أنّ الصورة النمطيّة للشباب ليست صحيحة، وأنّ روح الشباب لدى الكثير منهم مستثمرة لهموم أوطانهم ومطالب شعوبهم، وأنّهم يعرفون حقوقهم والمطالب الوطنيّة وما لهم وما عليهم، وأنّ حاجز الخوف لديهم قد يكون أكثر هشاشة مما هو لدى الجيل الذي يكبرهم. إنّ التحركات التي حصلت في تونس ومصر، والتي تحدث الآن في بعض الدول العربية الأخرى، تتضمّن غالبيّتها مطالب إصلاحيّة، تختص بتغيير الواقع الذي يشوبه سوء استخدام السلطة والفساد وانعدام العدالة الاجتماعيّة وقمع الحريّات وغيرها من الأمور التي تسلب المواطن حقّه الطبيعي في الحياة الكريمة، وجميعها أمور هامّة لا تستقيم…
الحقيقة الكبرى التي لا مفرّ من الاعتراف بها أن ثمّة شيئاً في ثنايا روح كل إنسان يصرخ من أجل الحرية، وينزع نحوها، ويتوق إليها، ومستعدّ أن يدفع ماله ودمه ونفسه فداء لها، فإما أن ينالها أو أن ينفجر يوماً بشكل ما في وجه سجّان حرّيته، وإن طال زمان قمعه.. الحرية هبة إلهية وحقّ طبيعي يحتاجها الغني والفقير، الكبير والصغير، العالم والجاهل، الحاكم والمحكوم، الأبيض والأسود، والكل يعرف ذلك اليوم ولا ينكره إلاّ غافل أو أحمق، فأما الغافل فعِبَرُ الحاضر ودروس التاريخ كفيلة بإيقاظه.. والعاقل من اتّعظ بغيره، أما الأحمق فلا دواء له سوى أن يتجرّع سُمّ حماقاته ليموت حتف أنفه طريداً، ذليلاً، منبوذاً، حتى من أقرب حلفائه الذين باع كرامة وطنه وشرفه لإرضائهم، فما ناله منهم إلاّ الخذلان والتبرّؤ منه. مصر حرّة.. وعجباً أن ليست مصر وحدها تستنشق اليوم عبق الحرية، بل العالم العربي والإسلامي والإنساني الحرّ كلّه استشعر أثر هذه الحرية وفرح بها، ففرح الفقراء، والمثقفون، والإعلاميّون، والفنّانون، والأغلبية الصامتة في مصر وادي النيل.. وتداعى هذا الفرح لكل تلك…
حبّ العرش طبيعة بشرية، تقمّصها الإنسان تشبّهًا بالربوبية، ولا عجب؛ فلو كان هناك آلهة غير الله؛ لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا. أكثر الدنيا في هذا الزمان قد أفاقت من غيّ هذه الطبيعة؛ فاتّخذت من الديمقراطية والمشاركة أداة لكبح جماحها، فجعلت السلطان بيد الناس، يولّون عروشهم من يرتضون، وينزعون عنها من لا يرتضون، ثم قسمت السلطات أقسامًا، خشية أن يستأثر بها واحد من دون الناس؛ فيتّخذ بها عباد الله خولا، ويعمل في أموالها دولا، يستضعف طائفة منهم ويستعلي بطائفة، فجعلت لكلّ سلطة حدودًا لا تتعدّاها، وخوّلت لكلّ سلطة أن تنقض ما تبرم الأخرى، فيما لو تجاوزت الحقّ والحدّ المرسوم، وبهذا اطمأنت – على حذر وخشية – من أن تتغوّل إحدى السلطات بما لم يخوّلها الناس، ذلك أنها وجدت بعد طول عناء أنّ السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. لم تجد البشرية علاجا للديكتاتورية إلا الديمقراطية، وللاستبداد إلا الحرّية والتعدّدية، ولم تجد جهة هي أكثر اقترابا لتحقيق ذلك من وضع السلطة في يد الجمهور، ثم هو يخول من بينه من يطمع في أمانتهم وكفاءتهم،…
إنَّ وصول الـ”أنا” إلى مرحلة البلوغ تتطلّبُ عمليةً مسبقةً للكمال، وإن عمليّةَ تحقيقِ الذّات ينبغي أن يقومَ بها الفردُ بنفسه، مّما يصعب عليه أن يستمدّها بالوسائِل الثقافيّةِ المعتادةِ التي يَمدُّها المجتمعُ، فلا يمكن تحقيقُ ذلك إلّا بعملٍ صبورٍ يشمل تعليمَ وتربيةَ الوعي ذاتيّاً، بقرارٍ من الفرد نفسِه وإرادتِه، وبصدقِهِ مع نفسِهِ ووفائِه لها.. ليكونَ “الصادقَ الأمينَ”. تخيّلَكَ إنساناً بلا دينٍ، لا أبَ ولا أمَّ لك ولا مدرسةَ وتعليمَ، وليس أمامكَ إلّا مدرسةُ الحياة فماذا تصنع؟ إذا كنتَ يتيماً .. فماذا تفعل؟ فقيراً.. ماذا تصنع؟ بل ماذا تعمل إذا صرتَ أجيراً على أموال الناس؟ ماذا تفعل.. إذا كان عملُك فقط مراقبة الأطفال طَوالَ النَّهار أو رعايةَ غنمِ آخرين؟ إذا أساء أربابُ العملِ معك وقسوا عليك وظلموك؟ إذا وُلِّيتَ عملاً وشغلت وظيفةً؟ فهل يهمُّكَ كسب المال فقط؟ إذا كان زمانُكَ بلا (دين) ولا (مذاهب)؟ أو كان ثمة بقايا (دين) لكنّه جائر ومليء بالخرافات والانحرافات والوصايات ودهاقنة الاستبداد؟ إذا هاجت حرب الفجّار (بين قريش وقيس عيلان)؟ وقومُك أهلُ شركٍ بلا (دين)، لكنّهم قاموا…
بنى رجلٌ مطعماً عصريّاً بالقرب من مسجد في إحدى العواصم الإسلاميّة، وكان المطعم يُقدّم الخمر مع الطعام لمن يطلبه في جو من الموسيقى والطرب تصاحبه رقصات مع وجبات العشاء، وكان واعظ المسجد المجاور يدعو بعد كلّ خطبة أو صلاة بأن يصبّ الله غضبه على صاحب المطعم ويُنزل على المطعم كارثة تمحوه من الوجود، ومع كلّ دعوة يُؤمّن المصلّون على دعوته تلك، وبعد أقلّ من شهر، أصاب المطعم تماسٌّ كهربائي أحرقه وحوّله إلى دمار، وفي اليوم التالي، ذهب الواعظ للمسجد فرحاً، وبعد الثناء على الله وشكره، بارك للناس تدمير ما أسماه بؤرة الفساد، وقال بأنّ المؤمن إذا دعا الله بقلب صادق، فإنّ الله سيستجيب دعاءه ولن يُخيّب ظنّه. ذهب صاحب المطعم إلى المحكمة شاكياً واعظ المسجد، مطالباً إيّاه بتعويضات عن الخسائر التي تكبّدها، متّهماً إيّاه بأنّه هو السبب في تدمير مطعمه، لم يقبل الواعظ التُهمة وكذلك المصلّون الذين كانوا معه، فسمع القاضي الطرفين ثم قال: والله لا أعلم ماذا أقول، لديّ طرفان متخاصمان، فمن جهة هناك واعظ مسجد ومصلّون معه لا…
هل نحن نعادي المخالفين لنا لأنهم ضدّ الفضيلة؟ أو ضد الإيمان والحق؟ أم لأنهم ضدنا كجماعات وأشخاص؟ أو لأنهم مخطئون لأن مصالحهم وإراداتهم تناقض مصالحنا وإرادتنا؟ المعلن دائما هو الأول، والحقيقة دائما في الثاني، اللهم إلا ما ندر، و”اللهم إلا ما ندر” هذه لولا مخافة الظلم لما قلناها، لأنها مع كل أسف مدخل المبطلين لبوابة المحقين، حيث يزعم الجميع أنهم من هؤلاء الندرة، عجبا! كيف للندرة أن تكون الكثرة؟ تصنف أمريكا الدول إلى محورين محور للخير ومحور للشر، أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وكلنا يعلم أن أصحاب الشمال لا يحتاجون لكي يصبحوا من أصحاب اليمن إلى توبة، اللهم سوى التسليم والطاعة لما تريده أمريكا منهم، ثم لا يهم بعدها أن يغيروا شرهم ولا خيرهم، فأصدقاؤها في محور الخير سجونهم مليئة بالمعارضين، والمخطوفون من الناس تحت حكمهم لا يُعلم أأحياء هم أم أموات بعشرات الألوف، والديمقراطية فيهم إما معدومة أو ممسوخة، والفساد في إدارتهم فوّاح، وحرية التعبير مكممة بالقانون، ولكن هذا لا يهم فالخير والشر هو في الموافقة أو المعارضة: الأخيار أصحاب…
قالت سيّدة لجارتها متعجّبة، لا أدري كيف تستطيعين العيش وسط كلّ هذه المشكلات والفوضى التي تُحيط بك، فلديك مشاكل في العمل والبيت ومع أولادك، ومن يراك يعتقد بأنّ حياتك سلسة خالية من أيّ تعقيد، فردّت عليها الجارة مبتسمة، أنا أعيش الصعوبات وأتفاعل معها ولكنّي أنظر للأمور بشكل مختلف، فحين يتأفّف ابني المراهق ويعترض على كلّ شيء، أشكر الله لأنّه في المنزل ولا يتسكّع في الشوارع، وحين أرجع من عملي ورجلاي منهكتان من التعب وبالكاد أخطو خطوة أخرى، أشكر الله لأنّ لي رجليْن وبأنّي أستطيع أن أقوم بالأعمال الصعبة وأُعيل عائلتي، وحين يضيق قميص ابني الذي لا يملك غيره، أشكر الله لأنّني أستطيع إطعامه لينمو، وحين أصرف ساعات راحتي في ترتيب البيت وتنظيفه، أشكر ربّي لأنّ لي بيتاً أسكن فيه، وحين أنتهي من أعمال الخياطة التي أقوم بها ليلاً لأحسّن من دخل أسرتي، وأنهض على صوت الساعة باكراً مع إنّي لم أحصل على ساعات نوم كافية، أشكر الله بأنّي لازلت حيّة وأستطيع أن أستقبل يوماً جديدا، وحين يأتي العيد وأضطر لكي…