منتدى التجديد الثقافي

الموسم الأول

موسم استئناف الحياة

بسم الله الرحمن الرحيم
الله (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)
وخالقُ الحياة لم يأذن لأحد بإماتتها وتعطيلها
بل ينتظر منا فقط “تحسين الأعمال” في كلّ مناحي الحياة، الموهوبة المشتركة.
أمّا الذين حكموا بالموت على الحياة، وعقروا رواحلهم، فسيعبرهم الزمن وهم ينتظرون، يُنظّرون للوهم ولا ينظرون إلى ما بيدهم مِن جزيل نِعَمٍ ومَواطن همّ، فرصٌ جمّة تنسرب دون أن يستثمروها، تحدّيات تنشط ولا ينشطون لها، آمالٌ تُكتب وتترقّب أعمالها ثمّ تُمحى ولا يقرؤونها، أجيالٌ تضيع وأخرى تميع، عوالَم تُصنع ودفق معلوماتي هائل به نُوضَع أو نُرفع، وهم في غفلة ساهون.

اللمحة التعريفية

خالقُ الحياة لم يأذن لأحد بإماتتها وتعطيلها، بل ينتظر منا فقط “تحسين الأعمال” في كلّ مناحي الحياة، الموهوبة المشتركة.

قديما قال حكيمٌ (لا تطلبْ مِن الله أن يخرجك مِن حالة ليستعملك فيما سواها، فلو أراد لاستعملك بغير إخراج)

فقصص “غير المُستعمَلين” كثيرون، ينتظرون تبدّل الحال “ليستعملوا” مواهبهم وعقولهم وجهودهم في استنهاض الحياة! ينتظرون تحت أغطية اليأس والكسل موسم البرد أن ينسلخ أو الحرّ أن ينسلّ لينفروا إلى واجبات عزّ الحياة، وحضور الحياة، والخروج بكلّهم للحياة!

كيف يفوّت حُرٌّ فرص تطوّره وتطوير مجتمعه انتظارًا لأمرٍ لن يأتي؟!

انتظارَ تبدّل ظروفه الشخصية والاجتماعية والسياسية، فيفقد الإنسان قوّة الفعل والاستمتاع بما بين يديه، يُغلقون أعينهم ريث تبدّل المنظر!

(كُلْ ممّا يليك) أدبٌ مِنْ نبيّ الحكمة والرحمة، لكنّها قاعدة حياة

فكمٌّ هائلٌ “يلينا” مِن القضايا والمشاكل التي تنخر في حياتنا، وتنقص مِن أطرافنا، ونحن نُحدّق بإصرار كزرقاء اليمامة إلى سرابٍ قصيّ، قائلين في أنفسنا “كُنْ هو” ولن يكون، فنغفل به عن إصلاح أنفسنا، إصلاح وإسعاد وخدمة أهلينا، أبنائنا، جوارنا، حيّنا، قريتنا، عالَمنا، نفقد فعالية الحياة وفعلنا فيها، لأنا معطّلون معطوبون كذبيحة على خطّاف يقتطع منها جزّار الزمن كلَّ حينٍ قطعة، وتبقى العينُ الغافلة جاحظةً لتكون آخر ما سيُقلع.

النزاعات قد تعمي أعيننا عن أوسع مجالات الحياة، ونعطّل أنفسنا على أبوابها انتظاراً لانفراجة هنا أو هناك، ناسين أنّ كلّ فردٍ منا موجودٌ وأنّه وحدَه صانعُ مصيره، وشريكٌ في صناعة مصائر مَن حوله.

سأل جنديٌّ قائدَه أين هو خندقي؟ قال: أنت تقف عليه، احفرْ قليلا وستراه.

النزاعات قد تعمي أعيننا عن أوسع مجالات الحياة، ونعطّل أنفسنا على أبوابها انتظاراً لانفراجة هنا أو هناك، ناسين أنّ كلّ فردٍ منا موجودٌ وتلك نعمة، وحيٌّ وهي نعمة، وإنسانٌ ويا لها نعمة، وأنّه وحدَه صانعُ مصيره، وشريكٌ في صناعة مصائر مَن حوله، وله القدرة على الإسهام في رفعِ.. أو رفعِ شقاء.. الكثيرين ممّن يَصِلهم أو يَصِلونه.

من هذا المنطلق، نفتتح موسمنا ببركة الله، لنفتح أعيننا، أنّ ثمة حياة مهدرة شاسعة جدًّا

ومشاكلها وعلاجاتها تحتاج التفاتاً وتواجدا حيّاً، وأنّ السعادة ممكنةٌ حالَ الامتياز بهذا التواجد الواعي، حيث هو واجبُنا الوجودي، المتّكئ على مواهب الله سبحانه فينا؛ لرفعةِ، وإسعادِ، وتحسين، مَن نحن في محيطهم، أو هم في محيطنا.

لقد تضخمت أخبار السياسة وقضايا الاختلافات الدينية حتى انطحن الإنسان بين حجَريْ رحاهما، وفقد بالتشويش حاسة التعرّف على جوهر ذاته، وعلى الإنسان بجواره.

تأمل كتاب الله يدلك على مشهد الحياة الذي هوى من عقولنا وذوى من قلوبنا

وانظر من حولك فكم من إنسان قام بواجبه بعد فقه آية فكان هو الآية وانظر لفهرس سوره لترى رموز ألوان سعة الحياة مُعبراً عن مجالاتها الحيوية المتنوعة بتنوع أسماء السور، سعة الحياة التي ضيقناها بضيقنا بين أسود وأبيض الدين والسياسة.

لقد تضخمت أخبار السياسة وحُوصرنا بصراعاتها

وتضخّمت قضايا الاختلافات الدينية وابتُلينا بأحكامها، حتى انطحن الإنسان بين حجَريْ رحاهما، وفقد بالتشويش حاسة التعرّف على بديعِ نعمه، على روح بيئته، على جوهر ذاته، على الإنسان بجواره، على سلامة مفاهيمه الفطريّة، تضخمّت حجَرُ الرحى وكبست عليه كما تتضخم الحروب العبثية التي أتت على أجمل تلوينات الحياة، فداست أطفالها واستباحت نساءها وأتلفت عمر شبابها وأنهكت شيوخها وهدّت بالدمار مرافق حضارتها، وأوحشت الإنْس وأخلتْهم مِن أُنسها.

اهتمامات الحياة انضغطت لتكون فقط هموم سياسة أو دين

وكأنه لا مشاكل مفاهيمية لدينا، قضايا إنسانية، معاضل أخلاقية، مجتمعية، تربويّة، شبابية، علمية، تقنية، مصيرية، بيئية، سلوكية، اعتقادية، اقتصادية، استهلاكية…الخ.
حتى مفاهيم نعمة الحياة، خَبتْ أو صودرت لتُقاس بمساطر دين وسياسة، فلا صداقة، أخوة، زمالة، تعاون، تشارك، تلاقح، شورى، حبّ، توافق، ائتلاف… إلاّ وهي محكومة بالهويّتين الطاغيتين.

(استئناف الحياة)، هو خطوة لاستعادة تلك المجالات ولأدوارنا المرسومة ربّانياً.

(استئناف الحياة)، هو خطوة لاستعادة تلك المجالات ولأدوارنا المرسومة ربّانياً

لاستعادة تلك الاهتمامات التي تمسّ وجودنا الهادف ووضعها على المنضدة في بؤرة الشعور، لاستعادة تلك المفاهيم وتحريرها من السطو والإساءة، لاستعادة الصداقة والزمالة والإخاء والتعاون وعلاقات الاحترام والتراحم والودّ، لاستعادتنا فرح الطفولة، وتقدير المرأة، وحرمة الشيخ، ونشاط الشباب فيما ينفع في مناشط الحياة، بأعطيات الحبّ وأغنيات الامتنان دون كدر، للسير قُدماً (ولا يلتفت منكم أحد) وتحقيقِ سُموّ.