“حرية المعتقد”.. محور الجلسة الأولى من مؤتمر (شرائع السماء)

حرية المعتقد

قال الأستاذ عيسى الشارقي الباحث بجمعية التجديد الثقافية في الجلسة الأولى من أعمال مؤتمر (شرائع السماء وحقوق الإنسان.. عودةٌ للجذور) المنعقدة في الثالث من أبريل 2010م؛ أن “كل مجتمع يربي أولاده على طريقته وعقيدته وفكره ومحاسنه ومقابحه، وقد تختلف المناهج ولكنها جميعًا تريد صياغة الفرد بما يوافق رؤى الجماعة”.

وأضاف الأستاذ الشارقي الذي طرح ورقته ضمن محور “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” التأسيس الثقافي لإرساء قوانين لحماية حريّة المعتقد والضمير؛ “أن المنهج الإسبرطي تحكّمت فيه الدولة في كل صغيرة وكبيرة من حياة الطفل فسيرت حياته على قضبان من سكة حديدية لا تحيد عن جهتها أبدًا”.

وأشار الشارقي إلى “أنَّ غاية ما يمكننا فعله لكي نمهد للطفل ممارسة الحياة في المستقبل بحرية وموضوعية، هو أن نربي الطفل على ممارسة التفكير الموضوعي السليم، ونغرس فيه أخلاق الخضوع للبرهان والحق، ونعلمه الفضائل التي أجمعت البشرية على حسنها ولا تحتاج إلى برهان، ولكن ذلك لن يخلق فردًا مستقلاً في فكره موضوعيًا في حكمه، لأن العواطف هي أكبر أثرًا من العقل في توجيه الإنسان، فهو سيحب أهله ومجتمعه وثقافته وعاداته ومقاييسه ويتشربهم في وجدانه كما تقتضي شرعة الانتماء والولاء”.

وخلص الشارقي في ورقته إلى أنه “بعد إتمام الأبناء ذكورا أو إناثا سن الواحدة والعشرين تنتهي فترة تربيتهم، وينتهي حقّ الآباء والمجتمع في إلزامهم بالعقيدة الإسلاميّة أو غيرها، ويحقّ لهم بعدها أن يعلنوا انتماءهم الذي ارتضوه لأنفسهم، وعلى الأسرة والمجتمع والدولة التسامح معهم وتركهم دون تعريض لأي صنف من صنوف التمييز، فلا يلزمهم من الشرع والقانون إلاّ ما يلزم سواهم من القوانين والتشريعات العامّة المرعية بحسب النظام المعمول به في الدولة والمجتمع”.

وضمن المحور ذاته تناول المفكر الإسلامي الدكتور محمد شحرور عدداً من المفاهيم القرآنية في سياق الاستدلال على حرية الضمير والمعتقد، وقال “إن أهم محور، سنتناوله بالدرس والتحليل، هو الفرق بين العبادية والعبودية. ونص التنزيل يسير في هذا الاتجاه. إن العبودية بكونها نقضا للحرية أي عكس الرق أسهم كثيرا في تكريس هذا المفهوم المنحرف. فإيماننا يمنعنا من أن نعتقد أن الله يريد عبيدا، وليس عبادا أحرارا كاملي الأهلية والحرية”.

وأضاف الدكتور شحرور قائلاً “فالناس عباد الله في الدنيا، وعبيده يوم الحساب، حيث لا خيار لهم ويحتاجون فقط إلى محاكمة عادلة. ” وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ. ” [فُصِّلَت : 46]؛ ” وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ. ” [الحـج : 10] ؛ ” وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ. ” [ق : 29] فالناس والكون كله عبيد الله من مقام الربوبية، والناس فقط عباده من مقام الألوهية في الدنيا”.

وأكّد الاستاذ محمد محفوظ أن الحرية في بُعدها النظري والتطبيقي ليست مشروعاً ناجزاً وإنما هي مشروع مفتوح، وإن التعامل مع مفهوم الحرية تعاملا أيديولوجيا يساهم في تجويف وتقليل قيمة الحرية”. وتابع ” ولكونها ليست مفهوماً ناجزاً فهي بحاجة باستمرار لكسب البشر، لذلك فإن حجر الأساس في مشروع الحرية هو وجود الإنسان الحر. وحينما نتحدث عن الحرية نتحدث عن ضرورة وجود حامل بشري لهذه القيمة كي يحوّلها لواقع ملموس يضبط نزعات الهيمنة والتسلط عند السلطان وتنظيم الحراك الأهلي”.

ويعتقد الأستاذ محمد محفوظ أن “الحرية ليست حلاً سحرياً لمشاكلنا كعرب ومسلمين”، وأنها “لا تنهي كل المشاكل في المجتمعات، لكنّ أهم ما تصنعه أنها تساهم في نقل الصراع من دائرة استخدام العنف إلى دائرة التنافس السلمي والحضاري بين مجموع المكونات الفكرية والسياسية”.

وأوضح محفوظ أنه “بمقدار ما ينتهك هذا الحق تُنتهك إنسانية الإنسان، لأنها مقوَّمة بوجود هذا الحق الأصيل في حياته”.

واختتمت الجلسة الأولى بورقة للأستاذ سامر الإسلامبولي تحت عنوان “أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ” التأسيس الفكري والثقافي لإرساء قوانين لحماية حريّة القول والعمل. قائلاً أن الحرية لا تمارس إلاّ مُنضبطةً بنظام ثقافيّ، وتتوسّع دائرة الحرية كلما ازداد الإنسان ثقافة ووعياً، والعكس صواب، والذي يوسع دائرة الحرية هو العلم والوعي، ومن هذا الوجه ظهرت العلاقة الجدلية بين الحرية والعلم”.

وأضاف الإسلامبولي “فالرب عندما قال: إني جاعل في الأرض خليفة يقصد إني جاعل كائناً حُرّاً في الأرض وبالتالي فهو مسؤول، وهذا يقتضي وجود نظام كلي يُنظم ممارسة حرية هذا الإنسان، وما ينبغي لهذا النظام أن يكون عينياً وذَرِّياً لأنه ينفي الحرية عن الإنسان ويمنعه من التطور، وإنما ينبغي أن يكون حدودياً وخطوطاً عامة، ويقوم على المقاصد لا على الأشكال”.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.