الجلسة الرابعة لمؤتمر (شرائع السماء وحقوق الإنسان.. عودةٌ للجذور) و”محور العلاقات الدولية”

4493508017_1b546d43b4_o

قال الأستاذ جلال القصاب الباحث بجمعية التجديد الثقافية في الجلسة الرابعة لمؤتمر (شرائع السماء وحقوق الإنسان.. عودةٌ للجذور) والتي خصصت لمناقشة محور العلاقات الدولية “أن همجية الحرب قد تطورت فالإنسانُ العصريّ طوّر آلة الحرب وأسلحة القتل والدمار، إلى أسلحة دمارٍ شامل تقتل المئات والآلاف بلمحة بصر وبكبسة زرّ، وتساوى الزمان بتقنيّته فلا ليل داج يُجنّ، ولا المغيرات صبحاً فاعلة”.

وأضاف القصاب أن آلة الحرب أصبحت ذات قوّة عمياء جبّارة.. جعلت تلافي قتل الأبرياء مستحيلاً، أما العقليّة القديمة المُختزنة مبدأ كراهة القتال (كُتبَ عليكُمْ القتالُ وهو كُرهٌ لكم)، قد انتفت دواعيها لتغيّر البُنى الاعتقادية والعسكرية وتطوّر أدوات الحروب وخارطتها، فمفهوم “البطولة” و”الفروسية” و”النُبل” (Noble – knight) أصبح لا معنى له الآن، وتوفير الأرواح بمبارزة فردين ولّى زمنه.

ودعا القصاب لضمان توائم نوع الثقافة العسكرية وعقائدها ومناهجها التربوية والنفسية والسلوكيّة مع أخلاقيّات الحرب والتعامل الإنساني وانضباطها بضوابط الأديان مع الخصم المعتدي أو غير المعتدي المُعَدّ بالتعبئة ضدّه، لتجفيف منابع العنف والهمجية في الجيوش في مهد إنشائها.

كما أشار القصاب إلى أوجه قصور يتوجب الالتفات لها منها عدم وجود قانون تجريمي واضح للمنتهكين، مطبّق فعلاً بأدوات فعّالة وجادّة وحاسمة، على القويّ والضعيف على السواء من الدول والقِوى والأشخاص، والتواني في إصلاح البُنى التحتية الثقافية والاعتقادية المؤسّسة للحرب تجاه الآخر، ولأخلاق الحرب، ولمسوّغات الحرب.

وقدّم الدكتور سعيد حارب ورقة بعنوان (حصانة الرسل والتأسيس لقوانين الحصانة الدبلوماسية) إن التأسيس لبعد ثقافي في العلاقات الإنسانية المعاصرة يستدعي التأصيل لهذه العلاقات، فمنذ نشأة الخليقة وهناك تواصل إنساني يتفاوت قوةً وضعفاً، مثلما يختلف في صورته القائمة على السلم أو الحرب وفقاً لطبيعة هذه العلاقة وللمرحلة التاريخية التي يمر بها، ولم يخلُ التاريخ البشري من علائق إنسانية أرست جذور التواصل البشري الذي تطور عبر التاريخ ليصل إلى فكرة السلام العالمي.

وقال الدكتور حارب في سياق التأصيل للحصانة الدبلوماسية “يمكننا القول إن الحصانة الدبلوماسية في الإسلام هي “عقد خاص تمنح بموجبه الدولة الإسلامية الحماية الشخصية والمالية والقضائية لمن يحمل الصفة الدبلوماسية “

وأضاف حارب “أن فكرة الحصانة الدبلوماسية عند المسلمين تعود للتأسيس الأول منذ عهد الرسول صلة الله عليه وآله وسلم، والمصادر التشريعية من القرآن والسنة النبوية، إضافة إلى الإرث الفقهي والسياسي الإسلامي، يحتوون على نصوص وتجارب وأحكام تتعلق بالحصانة الدبلوماسية، باعتبارها صورة من صور الحقوق المكتسبة لفئة من الناس بحكم طبيعة عملهم، لكن المقارنة لما عليه واقع التجارب والممارسات السياسية في مجال حقوق الإنسان، وبخاصة في الحصانة الدبلوماسية، إنما هي مقارنة مع الفارق، إذ أن أدوات المقارنة تختلف من عصر إلى عصر، ومن مجتمع إلى مجتمع”.

وقال الدكتور هيثم مناع في سياق محور التأسيس لإرساء قوانين إنسانية في الحروب والأزمات والكوارث “”ليس هناك حرب نظيفة، وإن كان من دور للتحديد الحقوقي لجرائم الحرب، فهو في السعي للتقليل من فظائعها. هذا السعي لا يتناسب أبدا مع الصراع اليومي بين عنجهية القوة ومُثل العدالة، فقد كلّفت الحقيقة حول مجزرة قانا التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي منصبه لولاية جديدة شبه اوتوماتيكية في عرف المؤسسة الدولية لأن سيدة القوة (الولايات المتحدة) حذرته من أن يخرج للعلن نتائج التحقيق”.

واستعرض الدكتور مناع ومضات تاريخية من التجربة الآسيوية الفرعونية والعربية ما قبل الإسلام لسبب جوهري حسب تعبيره أنه في أثناء مراجعة كتابات الشيباني ودراسة النصوص التي صدر عنها مسودات اتفافية جنيف الرابعة كان من الواضح أن هناك تداخل بين أكثر من ثقافة.

وقال مناع “إن مجرد التسليم بعالمية الإسلام يعني قبول مبدأ التبادل والتفاعل مع مختلف الثقافات والشعوب، لأن التلقين والفرض خصوصية عدوانية مهاجمة أي رفض للعالمية”. داعياً المناضلين الحقوقيين في العالمين العربي والإسلامي إلى تقديم مشاريع لتطوير القانون الإنساني.

وتناولت الأستاذة كريمة الشكر في ورقتها (أشهرٌ حرم عالميّة.. نحو هدنة إلزامية تحفظ للإنسان كرامته) التجربة الإنسانية في الإسلام في إقرار الأشهر الحرم التي أثبتت نجاحها في لجم الحرب. قائلةً “عظّم الإسلام شأن هذه الأشهر وحرّم ابتداء القتال فيها، وقد لام النبي(ص) الصحابة الذين قتلوا في الشهر الحرام ورفعوا السلاح فيه، وقد كان معروفاً تعظيم العرب شأن هذه الأشهر”.

ودعت كريمة عبد الكريم المشرعين للاستفادة يستفيد من هذا المبدأ الربّاني لفرض قانوناً عالمياً يُلزم الشعوب على هدنة إلزامية تدان فيها الحرب ويجرّم مرتكبوها، ليست قصيرة المدى، بل طويلة تمتد إلى أربعة أشهر، لأنّه في هذا الزمن الوحشي والرهيب، زمن أسلحة الدمار الشامل فإنّ الأمر بات أكثر إلحاحاً للجمّ ألسنة الحرب وقارعي طبولها، بما يليق بالرقي الإنساني والسمو الحضاري لإنسان اليوم، العالم اليوم بحاجة ماسّة إلى هدنة إلزامية للتأمل والمراجعة والنظر إلى العواقب والتفكير في المصائر”.

وشهدت الجلسة نقاشات ساخنة حول عددٍ من القضايا التي تدور حول أنسنة الحروب، وقال الدكتور هيثم مناع تعقيباً على المداخلات “سأدافع عن حقوق الآخر كائناً من كان، وعلينا أن نبحث عن المشاريع الإيجابية ونكتشف المشابه لها في ثقافتنا ومن هنا ننتهي من صراع الحضارات”.

وعقّب السيد جو ستورك في مداخلته إلى قضيتين مهمتين وهما وجوب الالتزام بالمعايير الإنسانية في الحروب حتى لو جنح العدو إلى الهمجية والبطش. فليس هناك مسوغ أخلاقي لفعل ذلك. أما القضية الثانية فهي جوهرية وأساسية وهي نزعتنا إلى مسخ صورة العدو ووصمه بالصفة غير الإنسانية لتشويه صورته. هذه النزعة ينبغي الالتفات لها في النظر لقضايا الحروب والنزاعات.

في حين أشار الأستاذ عيسى الشارقي إلى الآية الكريمة (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) قائلا أن هذه الآية ممكن تدويلها.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.