تدور أساطير الأبطال حول شخصيات صالحة تركت بصمات بارزة في التاريخ القديم كالأنبياء والملوك ويمكننا من خلال هذه الأساطير التعرف على مفهوم البطولة عند الشعوب القديمة وطبيعتها وارتباطها بالعالم الفوقي و والقوة الربانية، إذ البطولة تؤثر في الحضارة بشكل كبير بل إنّها في القديم صانعة الحضارة والمدافعة عن القضايا الإنسانية ولها اليد الطولى في تكريس المبادئ السامية، من أمثلة أساطير الأبطال أسطورة بطل الطوفان – “أتونا بشتم” نبي الله نوح (ع)، ومنها أسطورة جلجامش ملك أوروك السومري في ملحمته الطويلة ومغامراته مع صديقه أنكيدو الذي يقاسم جلجامش البطولة
ورحلتهما ضد المخاطر ثم بطولات جلجامش بحثا عن أرض الخلود، ومنها أساطير الملك العادل البابلي حمورابي الذي يقول عنه ويل ديورانت في كتابه ” قصة الحضارة “: “نستطيع أن من تتخيله شابا يفيض حماسة وعبقرية، عاصفة هوجاء في الحرب، يقلّم أظافر الفتن ويقطع أوصال الأعداء.. نشر لواء السلام… وأقام منار الأمن والنظام بفضل سفر قوانينه التاريخي العظيم، وقد كشفت النقوش الأثرية التي عثر عليها في مدينة سوس عام ١٩٠٢ وجه الملك حمورابي وهو يتلقى القوانين من مردوخ الرب الموكل بالإنسان عند البابليين، وقد أظهرت أساطير الملك حمورابي مقام م الرجل العادل الحكيم وصلته بالسماء من خلال مهماته التي أداها أثناء ملكه والتي تلتقي في معظمها مع مهام الأنبياء (ع)، واسم حامو رابي يعني محامي الرب كما نقول في يومنا حامي الدين أي الحارس من قبل الله على حدوده، وشريعته مبدؤها (النفس بالنفس) وقد سبقت موسى بأربعة قرون وقبل صياغة التوراة بخمسة عشر قرنا، وهي عين الشريعة المكتوبة في كتاب موسى والتي ضمنتها مدونات التوراة الموجودة، وأشار القرآن إلى صحتها وأنها من تعاليم السماء لا ينحو واضع بشري: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) ( المائدة: ٤٥) فشريعته شريعة أنبياء وتعد شاهدا على حضور التعليم الرباني في حضارات الأرض العربية.
ومنها أسطورة سرجون الأكادي قبل الملك حمورابي الذي يعد باني أول إمبراطورية عربية وحدت المنطقة الشمالية للجزيرة العربية ” فإنّه جعل من هيبته وقوة حكمه أداة حقيقية تشارك عمليا في رفع الحيف عن المظلومين وفي أخذ الحق من الظالمين.
من الأساطير البطولية المصرية أسطورة لوزيريس” الذي يعد عند عرب وادي النيل بطلا ثقافيا علمهم فنون الزراعة والأشغال المعدنية، فحضارة وادي النيل بدأت بإدريس مع ايزيس وأوزيريس، وقد كان لهؤلاء الثلاثة فعلاً فضل على العالم بأسرة بنشرهم العلوم الإنسانية فهم من أسس حضارة في مصر في الألف الخامس قبل الميلاد، علموا الناس الزراعة هناك والملاحة والكتابة والحساب والفلك والمهن الصناعية، وعملوا على نبذ الهمجية وتأسيس نظام الأسرة والمدنية الاجتماعية، زوجة أوزيريس هي الربة إيزيس شاركته حكم مصر عاونته في نشاطاته الخيرة، وبعد: “أوزيريس” كاب رياني لشعب مصر النيل وهو بمثابة آدم الآب الأول المعلم للإنسانية وتسجل الأسطورة في جانب منها وصية الآب المعلم الأخيرة لأبنائه “حورس”، بإشعال الحرب بلا هوادة مع الشيطان المسمى عندهم، فحين يسأل الأب ابنه (ابناءه): “ما أنبل ما تنوون فعله مع الشيطان؟ فيقولون: تحاريه بضراوة وتنتقم منه جزاء لما فعل في ابوينا”، وقد أصبح أوزيريس سيد الحاكمين في ملكة الموتى يتولى حساب الموتى حيث يجاري الأخبار ويعاقب الأشرار، فقد كانت العقيدة المصرية القديمة تؤمن بالبعث والحساب وكان للعقائد الجنائزية والاحتفاء بالموتى مكانة كبيرة عندهم، تسرد الأسطورة مشهد ما بعد موت “أوزيريس” ورحلته إلى دار الأمن ومقر الأرواح وعالم الموتى حيث يقيم منتظراً ذريته وشعبه لحسابهم.
من كتاب الأسطورة توثيق حضاري
ماذا نجدد؟
إن التجديد كما هو ضروري فهو شديد الخطورة أيضاً لأنه على ضرورته ينبغي أن يكون سليماً يحافظ على المعالم الصحيحة والمكونات السليمة لهويتنا ورسالتنا، وأما إذا امتد بالتحريف لها فسيكون التجديد بوابة واسعة لإفساد جديد تفقد فيه الأمة ما تبقى من معالها ومكوناتها، أو تقتتل فيه، أو تموت به جذور التجديد ورجاله ويعقدون الثقة في أنفسهم وتفقد الأمة الثقة بهم.
فالتجديد يحتاج إلى مخلصين صادقين أحرار صالحين في أنفسهم وأخلاقهم وسلوكهم، يحملون هموم الناس قوامين بخدمتهم مندمجين لا منعزلين ليسوا من النخب المنعزلة، ولا الذين لا يلتقون الجمهور، ولا يحملون همهم، ولو كانت الرسل هكذا لما استطاعت أن تغير شيئا، ثم إن لهذه الأمة ثوابت على رأسها القرآن الكريم، وأي محاولة للتجديد تقفز عليه، وتتجاهله ستكون ضالة مضلة، بل في المهيمن وهو الدليل والمرشد، وإليه يحتكم ومنه يستنبط، وفقا لمناهج جديدة مبدعة تنور القرار وتدبره تدبر الفاحص.
والعبادات من ثوابت هذه الأمة خارجة عن نطاق التجديد موقوفة على ما جاءت عليه من الرسول الأعظم، لا يجوز تبديلها أو إلغاؤها، وأخلاق الفاضلة هي من ثوابت هذه الأمة لا يجوز تجاهلها، ولكن من الممكن تطويرها، والإضافة إليها مما هو أسمى وعقائد الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسا واليوم الآخر لا نقاش عليها، والنقاش فيه مفتوح لأن التجديد ينبغي أن يمتد لتصحيح كل فهم خاطئ سواء في الثوابت أو المتغيرة ذلك أن تصحيح فهم الثوابت لا ينفي ثبوتها، بل هو من الأولويات، لأن الثوابت المغلوطة تولد فكراً مغلوطاً، فإذا كنا نفهم خلفاً من الأخلاق أو فضيلة من الفضائل على غير وجهها، فإن ذلك سيضلل سلوكنا، فنسيء من حيث نظن الإحسان وإذا كنا نفهم الجنة مثلا على غير وجهها فإن ذلك سيوجه سلوكنا في الاتجاه الخاطئ فتكون كالسائر على غير الطريق لا تزيده كثرة السير إلا بعداً، والتجديد ينبغي أن يمتد لما جمد من فهم علماء الأمة على ما سبق وأن قيل، حتى صارت أقوال الأوائل سنة، بدعوى أنها قول خير القرون وأنهم كانوا أدرى بالظروف الشرعية والتشريعية، إن هذا القول قائم على فهم خاطئ لنداء القرآن، ولخطابه فكأننا ينبغي أن تستمع القرآن من خلال أول السامعين، والحق أن كل جيل مطلوب منه أن يقرأه وكأنه يتنزل عليه توا فيراه يعين عصره لا بعين القرون الأولى، وذلك دون أن يتجاهل ذلك الزمان وظروفه، وتوجيهات مبلغه صلى الله عليه وآله، ولكن دون أخذ أقوال السلف قوانين، والتجديد يطال ما خُلد من مرويات السنن، وجعل حاكماً على القرآن، فكما في الدين ثابت ومتغير فالسنة منها ما يبين الثابت ومنها ما يعالج المتغير، وهي أحوج ما يكون الحال إلى ترك متغيراتها التي لم تعد مناسبة لا لما لحقها فما كل مروي من السنة يستحق الخلود لأنها قد تكون خطاباً مناسباً لظرفه هذا إذا لم يكن فهمنا لها خاطئاً أو تكون مكتوبة وما أكثر ما كذبوا عليه ( ص ).
والتجديد يطال التشريعات في كثير من جزئياتها التي ملأت كتب الفقه، فالثابت من التشريع هو ما أثبته القرآن، والفهم فيه مفتوح، والثابت من تشريعات السنة هو ما كان بياناً لثوابت القرآن والفهم فيه مفتوح ال أيضاً. أما ما يتغير مع الزمان فينبغي أن) يتغير حكمه، فلكل حكم موضوع فإذا تغير الموضوع ولو في وجه أمكن تغير الحكم بل وجب ذلك ضمن الأصول والثوابت.
والتجديد يجب أن يطال العادات والتقاليد والأعراف التي تماهت مع الحكم الشرعي يومها، ولكن تشريعها إنما كان لظرف اجتماعي ثقافي لا لأنها مطلوب في حد ذاته.
فإذا ما وردت سنة أو حكم في طريقة لباس أو زواج أو عزاء أو طعام أو رياضة أو جلسة وما شابه ذلك فإن هذا لا يعني إلا أنها خيار من بين خيارات كانت متداولة وجه الشارع لواحد منها على سبيل الإرشاد، ولكن هذا اللباس سينقرض وتلك العادات ستتبدل وستأتي خيارات غيرها جديدة ليست بدعة ولا حراماً بل علينا أن تتخير منها ما هو مناسب لثقافتنا في أصولها ومزاجها العام أما النظم السياسية والإدارية والاقتصادية والتربوية وغيرها فالجمود على ما جاءت به السنة أو فعله الأوائل هو جهل بالمقاصد وجمود على الموروث فهذه الساحة الواسعة هي نبض التغيير وتثبيتها على أمور محددة هو الموت والتخلف ولم يجعل الإسلام لها من الضوابط إلا الخط العريض.
استجابات