نحن أمة جاء رسولها ليتمم مكارم الأخلاق، فقد كانت الإنسانية قبله تعرف الأخلاق الفاضلة المعتادة، التي يعرفها كل الناس، ويحكمون بحسنها وفضلها، من الصدق والأمانة، والشرف ومحبة الوطن، والشجاعة والتسامح، والاحترام، والحياء والوفاء، والاجتهاد والتواضع، والصبر والتعقل، وضبط النفس، والكرم والسخاء، والشفقة والمواساة، والمشاركة الوجدانية، والعرفان بالجميل، والنية الحسنة، واحترام الكبير وحماية الصغير، والرأفة بالضعيف، وغيرها ما تعرفه الإنسانية وتتفق عليه، قبل مجيء النبي (ص). ولكن نبينا جاء ليتمم للإنسانية أخلاقها، فعلينا أن نرفع السقف الأخلاقي لأمتنا، ومن ثم للإنسانية معنا، فدعانا الرسول للصفاء والسلام والهدوء، هذه الخصال النفسانية الجميلة، التي لا تتبع إلاّ من معرفة بالنفس وبالإنسان والكون والخالق فلا تكون الأشياء كلها مدعاة للخروج عن الهدوء والسلام والصفاء النفسي فكل شيء يجري تحت عين الله. ودعانا للأخذ بالموضوعية المجردة، فلا يجرمنا شنآن قوم على أن لا تعدل، وأن لا نميل عن الحق لقريب أو بعيد، بل التمسك بالحكم والقول الموضوعي النزيه، ودعانا للبصيرة ننظر بها عواقب الأمور، وما يتولد عن المواقف وعن الأفعال من عواقب وعن المقدمات من نتائج، ودعانا لتحقيق أسمى حالات الوعي، والقدرة على معرفة وغرض الوجود الإنساني ، وعلى امتلاك الحرية بأن نكون مالكين زمام أنفسنا ودعانا لأن نربط كل معرفة مهما كانت محددة وخاصة بالمخطط الشمولي للحياة، إلى آخر ما يمكن لنا أن نراه من إتمام النبي لمكارم الأخلاق الإنسانية. ولكننا يمكن أن نطور ما تممه النبي أيضاً، فنرمي بالأخلاق في أمتنا إلى سقفها الأعلى ثم الأعلى، فإنساننا المثال يجب أن يتحلى عوضاً عما سبق من الأخلاق الإنسانية والفضائل النبوية، بالقدرة على التحكم في الوعي، فتكون لديه مناعة ضد الغفلة، الناتجة عن اللهو وتنويم المجتمع، وهو مقدار متقدم من البصيرة، فالإنسان الرباني الولي لله، يمكن أن يظل يقظاً حتى في نومه، يتحكم في نفسه كلَّ اللحظات، لا تأخذه غفلة حتى وهو نائم، إذ بإمكانه أن يوجه نفسه، إلى المكان اللائق حين ينام، فتعود وقد ازدادت علماً وطهارة، ويتمتع بمناعة ضد الكثرة السيكولوجيّة، فلا تضله الاتجاهات العامة للعواطف والمواقف، خارج عن نطاق كراهية الظلم إلى نطاق عدم القدرة عليه بل عدم وروده في الخاطر مطلقاً، إنسان لا يكره أحداً وافقه أو خالفه، بل يحمل المحبة للجميع، يمارس أرقى الفضائل، ويتحكم مطلقاً في أهوائه، ويرى الواقع كما هو من كل جوانبه لا كما يريد وفي الختام، أمتنا هي الوحيدة الباقية تدعو الإنسان للسماء، والإنسان المبتعد عن السماء يهلك نفسه ومجتمعه وحضارته، وإنساننا العربي والمسلم اليوم، هو في حاوية التخلف، فعلينا لكي نعود للريادة الإنسانية نحو السماء، أن نخلق الإنسان الرباني الفاضل، والحضارة الفاضلة، وقبل ذلك علينا أن نخلق الإنسان الجسر، والحضارة الجسر، وأول مفتاح لذلك أن نطلق الحرية الحقيقية في دواخلنا وإذا كان لنا أن نقترح بعض ما نراه مهما، من الواجبات على طريق التجديد.
فأولا: نرى أن إعداد معجم لغوي، يطور ما بدأه ابن فارس، من تبيان المعاني المخصوصة لكل لفظ في العربية، مستدركين ما فاته، مصوبين ما غاب عنه، موسعين ما جهله، جامعين ما تفرق منها في سائر المعاجم، مقارنين مع اللهجات العربية القديمة كالسريانية والفينيقية ولهجات قبائل العرب، إن مهيمنين على ذلك كله بالقرآن، واستخداماته للألفاظ فلعلنا بذلك ندرك خيرا كثيرا.
وثانيا: لو أقمنا هيئة للعلوم الإسلامية، يتعهدها المقتدرون من أبناء هذه الأمة، تضم علماء الفكر والتفسير والفقه وغيرهم من سائر بلدان المسلمين، وعلى مختلف مذاهبهم، يتعاهدون بينهم ميثاق شرف، أن يقوموا لله مثنى وفرادى ومجتمعين، أن ينظروا للمسلمين في القرآن والإسلام، متجردين من المذهبية، عقلا وعاطفة، لا يكفر أحد أحدا، مهما بلغ بهم الاختلاف، محسنين لأنفسهم وطلابهم.
وثالثا: أن تتصدى مجموعة من ذوي الكفاءة والشرف والفضيلة، في وضع منهاج للتربية السلوكية اللائقة، وللتربية الأخلاقية والنفسية، للمدارس العربية كافة، مع برامج للتدريب والترويض، وفق طرق علمية حديثة، تستفيد من علوم النفس والتربية، وتبتعد عن الوعظ والإرشاد المباشر، أملا في أن تعود للشباب نظرة جمالية راشدة، يرى فيها حسن الحرية المسؤولة، وشرف الإنجاز المتميز وقبح إتباع الهوى وتبذير الوقت.
جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية
استجابات