(لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا َيكسِبُونَ) البقرة: آية ٧٩)
قال رسول الله (ص): {علم الله تعالى آدم ألف حرفة من الحرف وقال له: قل لوالدي وذريتك: إن لم تصبروا فاطلبوا الدنيا بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين، فإن الدين لي وحدي خالصا ويل لمن طلب الدنيا بالدين ويل له}
فتح الله سبحانه أبواب طلب الرزق الحلال على مصاريعها، وحثّ عليه دينه الحنيف وعدّ الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله ولم يجعل من بين أساليب طلب الرزق الاسترزاق بالدين بل سدّ الباب أمام هذا النوع من الاستغلال للدين كان ذلك واضحاً على لسان رسله الذين صرحوا بأنهم لا ينتظرون من أقوامهم جزاءً ولا شكوراً مقابل أشرف وأقدس وظيفة اضطلعوا بها وهي تبليغ الرسالة وإنّما أجرهم على الله سبحانه قال تعالى: (وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ) (الشعراء (١٠٩) وقد تكررت نفس الصيغة في سورة الشعراء خمس مرات على لسان نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (ع) تأكيداً على عدم تقاضي الأجر على إبلاغ الناس تعاليم دينهم ولتأمين رزقهم فقد عمل أنبياء الله وأولياؤه في الرعي والتجارة والحدادة والفلاحة حتى أن احد شيوخ المتصوفة لقي الإمام الباقر (ع) يوماً في بعض نواحي المدينة في ساعة حارة وقد تصبٌب عرقاً فقال له: شيخ عن أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في مطلب الدنيا، أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟ فردّ عليه: “لو جاءني وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله أكفّ بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس, وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله “.
لقد كان الحرص على عدم استغلال الدين من أجل تأمين القمة العيش تجسيداً عملياً في حياة هؤلاء العظماء، لان الحاجة إلى الدين فطرية والناس مهما كانت درجة تدينهم يريدون إشباع عاطفتهم الدينية والفطرة التي فطروا عليها كما أنهم بحاجة إلى الرجوع إلى الله عز وجل (القوة المطلقة) في حال الشدة والعجير والفقر والمرض رجاء أن يمن عليهم بالرخاء والقوة والغنى والصحة ما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل أدعياء المعرفة والمنزلة عند الله سبحانه الذين جعلوا من أنفسهم مسبح هذا العصر.. يدعون القدرة على إبراء الأكمه والأبرص بإذن، وخزعبلة إخراج الجن والشياطين وتوفيق سبل النجاح! ويستحصلون مقابل ذلك أموالا تبهظ جيب الغني والفقير على السواء، ولو اقتصر السلب على الأموال لهان الأمر ولكنهم يسلبون بذلك عقول الناس ويفسدون عقائدهم، وليس ذلك بالأمر الهين وهو عند الله عظيم أن يستغفل الناس في دينهم وعقولهم عند حاجتهم الماسة للمساعدة في الخلاص من المشاكل التي تؤرقهم، فإن الإنسان حين المرض ـ مثلا ـ يكون في أضعف حالاته جسمياً ونفسياً وذهنياً ويكون مستعداً بل مضطرا لدفع الكثير من المال إن وجد، وإن عز تحمل تبعات الاقتراض من الآخرين بهدف العلاج، وقد يتنازل عن قدر من عقله وتفكيره المنطقي بحثا عن علاج سريع لمرضه خصوصا إذا ما طال أمده وكان داؤه عضلا!
لقد جعل البعض من آيات القرآن الكريم مادة رابحة لعبادته الطبيعية مستغلا بذلك إيمان المريض بهذا الكتاب المقدس لديه ورغبته في الشفاء ووضع حدّ لآلامه! فمقابل كتابة الآية أو قراءتها لابد من دفع الأجر الذي يحدد نوع العمل دون النظر في أهلية صاحبه، مع أن أخذ المال في حد ذاته على هذا العمل دليل على عدم الأهلية صحيح أن القرآن يقول عن نفسه: ( وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (الإسراء: 82)، و( دقُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) ( فصلت: 44 ) فالشفاء موجود في القرآن ولكن ضمن معادلة يدخل الإيمان عنصراً اساسياً في أحد طرفيها وليس هو من نوع العسل الذي فيه شفاء للناس.. كل الناس وإما شفاؤه للمؤمنين به.. العاملين بأوامره والمنتهين عن نواهيه، وليس شفاؤه في الأساس متوجها إلى أمراض الجسم وإن حصل ذلك تبعاً، وإنما إلى أمراض القلوب والنفوس والتي تنعكس أثارها على الجسم حتما، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ولا تسرفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المشرفين) (الأعراف 31) توجيه تربوي وصحي يقي الإنسان من كثير من الأمراض فكيف ن لم يلتزم به فأصيب بالمرض أن يتخذ من القرآن رقة طلباً لشفاء ؟!.. إيمانه بهذه الآية يعني العمل بها، فتكون له شفاء من كل أمراض الإسراف في الأكل والشرب، إذن الأصل في الاستشفاء بالقرآن عملي وليس نظري إن من طبيعة الإيمان بأي شيء أن يفعل المعاجز، ولهذا كان العلاج النفسي بالوهم يُعالج الكثير من أمراض الجسد لأنه يعتمد على قناعة النفس بقدرتها على ترميم جسدها، فكيف لو كان أمراً كالإيمان بقرآن أو بدعاء أو بحجر كريم أو أي شيء مقدس؟! لكن تعليق الشفاء على تلاوة الآيات نفسها بدون مرادها الفعلي وهو إيمان المريض بالقدرة العلاجية الذاتية فيه مجازفة بكتاب الله وتعريضه للاستخفاف، لأنه يوضع في غير موضعه، لاسيما من قبل المستنقعين والدجالين وقد توعد الله سبحانه بالويل الذين يجعلون من كتابه مادة للإثراء الدنيوي على حساب المحتاجين والطالبين لبركته (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قليلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مَا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيُلَّ لَهُمْ ممَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة: من الآية ٧٩)
إن نصيب المصابين بالأمراض النفسية من لقد جعل البعض من آيات القرآن الكريم مادة رابحة لعبادته الطبية مستغلان بذلك إيمان المريض بهذا الكتاب المقدس لديه ورغبته في الشفاء ووضع حد لآلامه! فمقابل كتابة الآية أو قراءتها لابد من دفع الأجر الذي يحدده نوع العمل دون النظر في أهلية صاحبه، مع أن أخذ المال في حد ذاته على هذا العمل دليل على عدم الأهلية.
الاستغفال والابتزاز أكبر حيث يزعم هؤلاء إن سببها الجن الذي يحل في جسم المريض مسببا له الأذى والمرض ولا يخرج منه حتى تلبى مطالبه غير المنطقية! ولشراء راحته من هذا المرض يستجيب الأهل لطلبات الجني التي هي ليست في الحقيقة إلا طلبات المعالج علاوة على دفع أجرته نظير إخراجها وقد تستمر المفاوضات طويلا بين المعالج والجن للخروج من جسد المريض وتتلى الكثير من الآيات القرآنية عليه وغالباً ما تفشل هذه المحاولات مما يلجئ بعض المعالجين إلى استخدام العنف والضرب لإخراجه بالقوة فتكون النتيجة المنطقية خروج روح هذا المسكين من جسده! أليس هناك من أساليب منطقية صحيحة تعالج أسباب المشاكل والأمراض بعقلانية تبرز الدين في صورته الحضارية الراقية بدل الطلاسم والاستهبال والضحك على ذقون الناس البسطاء؟! إن التعامل مع القرآن الكريم بهذه الطريقة أفرعه من رسالته السامية كونه هدى وشفاء ورحمة للمؤمنين وموعظة للناس أجمعين، وحين منهجيته المنطقية الرصينة في التعاطي مع مختلف مناحي الحياة فبات حاله كعالم ضاع بين جهال قومه.
وتشكل المشاكل الاجتماعية وعلى رأسها العلاقات الزوجية والعقم والعنوسة ميداناً خصيباً للربح المادي يستغل فيها اسم الدين المزيد من الكسب الشخصي فكم من راغب في ولد طال انتظاره أعيته الحيل وكثرة الترد على الأطباء لجأ أخيراً إلى شراء الأحجبة والتعويذات لحل المشكلة، وكم من عانس تتوق لقضاء باقي العمر تحت سقف الزوجية دغدغت عواطفها وبيعت لها الأماني بالطريقة نفسها! وكم أثرت مشاكل النشوز والإعراض بين الأزواج جيوب الدجالين، فالمشاكل بين الزوجين لابد لها من حل ولحلها لابد من البحث عن أسبابها الحقيقية والتي غالبا ما تكون داخلية متعلقة بالزوجين نفسيهما لا خارجية صنعها الآخرون من سحر أو جن أو غيرهما كما يصور ذلك المنتفعون من هذه المشاكل ثم يلجأون إلى القرآن رقية وتعويذة لحل المشكلة المختلفة بينما تبقى الأسباب الحقيقية للمشكلة بعيدة عن دائرة الضوء والمعالجة، ولو أننا استمعنا إلى القرآن قبل ذلك وطبقنا تعاليمه لحلت المشكلة دون الحاجة للرجوع إلى مثل هؤلاء، أوليس إصلاح ذات البين من عامة الصلاة والصيام؟ فكيف لعمل يتقرب به إلى الله تعالى أن تطلب به الدنيا ؟!
ومن مظاهر الاستئكال بالدين اصطناع الوجاهة الدينية طلباً للسمعة والمقام المحمود عند الناس، واستجلاباً لحظوظ الدنيا من حشد الأتباع، وجمع الأموال من الحقوق الشرعية ومن اعتلاء المنابر وإجراء عقود الزواج بثمن وغيرها، وأخذ الأجرة على تعليم الناس أحكام دينهم وإرشادهم إلى طريقة أداء مناسكهم في حج أو عمرة مع رؤية استحقاق ذلك الأجر على تلك الأعمال وكأنها من أعمال التجارة! ولعل هذا ما فتح الباب لأرباب التجارة أن يستغلوا المناسبات الدينية وزيارة البقاع المقدسة للترويج لبضائعهم وخدماتهم محولين تلك الهجرة إلى الله عز وجل إلى سفر سياحة ومتعة! وإذا كان هذا شأن التجار فما بال من تلفّع بلباس الدين أن يسلك مسلكهم؟! إن أخطر ما في هذا الفعل هو التعمية على البسطاء والعامة من الناس في أمور دينهم ودنياهم بدل أن يكونوا لهم منارة إشعاع وتبصرة!
إن التوسل بالدين يذلّل العقبات أمام الولوج يزعم البعض أن التلبس بالجن هو سبب ابتلاء البعض بالأمراض النفسية، حيث يحل الجن في جسم المريض مسبباً له الأذى والمرض ولا يخرج منه حتى تلبى مطالبه غير المنطقية التي هي ليست في الحقيقة إلا طلبات المعالج علاوة على دفع أجرته نظير إخراجه!
استجابات