التحول في الاتجاه

{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إنّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة-115)

تختص الآية بقضية تحوّل القبلة، حدث ذلك في شعبان من السنة الثانية للهجرة، حين كان النبي (ص) يقلّب وجهه في السماء بحثا عن قبلة يرضاها، قبلة جامعة تتسق مع أهدافه ومقاصد رسالته، إلى وجهةٍ حيث يمكن أن يفهم الإنسان غاية وجوده، فيعود لذاته، ويؤوب إلى خالقه، ويندمج مع غيره ليسير معهم باتجاه الصلاح والبناء والنهوض.

لكن في جوهر الآية ورسالتها الخالدة إشارة للاستعداد والتأهب لقبول التغيير الذي يراد من الإنسان، فيها دعوة لتغليب المضمون على الظاهر، فالذي يعنيه المضمون سيجعل الله قبلته التي يلزمها في جميع أحواله، سوف يهتم بالآمر فيطيعه بلا إشكال ولا تردد، لا يفرق عنده اتجاه الشرق أو الغرب. ومَنْ يُسلّم وجهه لله، سيجد نفسه على استعداد ليستبعد كلّ شيء من رأيه الخاص وعلاقاته وقناعاته ويتسارع نحو التحوّل بإقبال وانشراح. الذي يجعل الله وجهته حقا هو من يقدّس الله ولا يقدّس الأمر، طبعه المرونة، وسلوكه الطاعة أمام جميع ما يطلب منه. الآية ترشدنا بأنّ من الواجب علينا أن نلزم أنفسنا باتجاه الله واتجاه رسوله، لا صوب النفس، ولا الهوى، ولا السمعة، ولا السلطة، ولا المال، ولا المِلَل، ولا الرجال، ولا .. الخ، نتعلق بالله فقط، فلا نخالف ما يريده منا، حينها سنجد الله أمامنا، وسيمكننا أن نسير على أثر هذا التوجه بيسر، بل سنفهم حكمة أوامره، وعلّة أقداره، وسيكون بمقدورنا أن نفسر ونقتنع بكل ذلك بصفاء وحبّ.

إنّ من أيقن بأنّ الله سبحانه “واسع عليم” لن يقع في فتنة التحوّلات، لأنّه يعلم يقينا أنّ الله لا يحدّه اتجاه ولا زمان ومكان، هو سبحانه نافذ ومهيمن ومقتدر في كلّ الأحوال، خياراته واسعة لا يحدّها شيء، ولا يمكن أن يحيط بها الناس ولو اجتمعوا، وهو عليم لا يأمر ولا يطلب ولا يوجه ولا يغير إلا عن علم وحكمة وصلاح.

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *