حساب التكلفة

آلية نحو التغيير

في إحدى البلاد العربية التي تطبق خدمة العلم على الطلبة الجامعيين (التجنيد)، تم إعلام الطلبة عن موعد التسجيل الملزم لكل الطلبة، خرج أحمد من الجامعة متذمرا، حائر الفكر ومشغول البال، إذ كيف له أن يتملص من هذه الورطة وأنّى له التخلص منها؟ مضت تلك الليلة عليه وهو شارد الذهن مشتت، يفكر ويقلّب أموره، تُراوده الأفكار، فيستبعد هذه ويتخوّف من تلك، حتى استقر به الرأي على فكرة رآها الأنسب، كتبها وسلّم نفسه للنوم.

الفكرة ببساطة أن يصطنع ممارسة حالة نفسية، تجعله في نظر اللجنة من ذوي العاهات، غير قادر على التحكم أو السيطرة على نفسه، تعتريه حالة فيقوم بحركات لا إرادية برأسه، فيميله لجهة ما ويبصق ويحرك شفاهه بطريقة يبدو معها غير سوي، مضى على ممارسة هذه الحالة أكثر من أسبوعين حتى أتقنها، وعندما حان موعد التسجيل حضر الجامعة، ودخل على اللجنة وهو ينتفض كالعادة ويقوم بتلك الحركات الملفتة، فلم تمضِ معه اللجنة الوقت كلّه واختصرته رفقةً به وبحاله، حيث قرّروا الاستبعاد!

خرج من تلك الغرفة وهو فرح بأنّه تخلّص من التسجيل.

في الأيام التالية بدأ يعتريه القلق فقد لاحظ أنّ الحالة مستمرة معه، وليس هو الوحيد الذي لاحظ ذلك، لاحظها أبوه وأمه وإخوته وحتى بعض أصدقائه، صُدم بالحقيقة فقد تمكّنت منه تلك الحالة أيّما تمكّن، فكان كالغراب الذي أتقن مشياً غير مشيه ونسي مشيته الأصلية.

عانى من تلك الحالة أشهرًا كانت من أسوأ أيامه فقد حرمته من قدرة مواجهة الناس والحضور بينهم، فانكفأ على نفسه، وأصبح يتغيّب ويتفادى تجمعات أهله وأصدقائه، بل ضعف التزامه بواجبات الجامعة أيضاً، مما أثّر على تحصيله ودراسته.

ماذا لو أنه دخل تلك الدورة؟ ما عساه سيفقد فيها؟ وقت، التزام، نمط حياة؛ بالمقارنة مع ما سيربحه؟

حين تضعف عن إدراك ما تريده، أو تكون لست متأكدا، وبين يديك عدة خيارات، فتريّث ولا تتسرّع في اختيار أي منها، بعض الخيارات تبدو مغرية جدًا، وتبدو أسهل مما هي عليه في الحقيقة.

وبمقارنة بسيطة لنحسب ما الذي خسره أحمد؟ وما الذي كان سيربحه؟

ما الذي خسره:

  • لقد خدع اللجنة ومارس الكذب، ومن ثم صار هو مخدوعا.
  • كم استهلكت هذه الخدعة منه من وقت وزمن؟
  • كم ساهمت هذه المشكلة في تأخيره عن أهدافه ومشواره العلمي والأكاديمي؟
  • اكتسب عادة نفسية ربما تتكرّر له في صور أخرى مستقبلا.
  • اقتصاديا كم كانت خسارته في تكاليف العلاج؟
  • وأخيرا كم استهان بشخصيته، وأظهر ضعفه، وبدا شخصاً كاذباً ومخادعاً؟

ما الذي كان سيربحه لو ذهب:

  • سيربح خبرات عملية ومعرفية.
  • سيحظى بعلاقات اجتماعية جديدة مع شرائح اجتماعية مختلفة.
  • يكتسب قدرات بدنية وصلابة نفسية للتعامل مع الصعوبات والعوائق.
  • سيكتشف في نفسه نقاط القوة والضعف.
  • معرفة بالأماكن والبيئات البرية العسكرية.
  • وأخيرا وهو الأهم: سيربح صدقه مع نفسه ومع الآخرين.

مثال أحمد نموذج لحسابات خاطئة تكلفنا الكثير، تواجهنا في المجتمع ومواقع الدراسة والعمل، وغالبا ما نتسرّع في اختيار الخيار الأنسب، فنتلكأ عن واجب، أو نتأخر عن أداء مهمة خير، أو نتكاسل عن إصلاح أو تطوير، فندخل في دوامة ترهقنا نفسيًا وصحيًا، بل وترهق مَن حولنا كذلك، فنخسر فيها أكثر مما نربح.

آلية حساب التكلفة: هي آلية نستطيع من خلالها التعرّف على نسب الربح والخسارة في الخيارات التي تعنينا لمعالجة مشكلة أو مواجهة قضية.

وذلك باتباع التالي:

  1. ضع الخيارات المختلفة أمامك.
  2. احسب تكلفة كل خيار على المدى القريب (خلال أشهر) والبعيد (بعد سنوات).
    1. ما الذي ستربحه؟
    2. ما الذي ستخسره؟
    3. أيّهما تكلفته أعلى؟
  3. قَرّر بعد ذلك على ضوء التكلفة.

نصيحة أخرى: لا تترك المشاورة حين لا تكون متأكدًا من خياراتك، أو إن تردّدت في ترجيح أي منها.

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *