خاطرة: وأي لــذة…

عندما ترى نفسك تائهاً في صحراء الحيرة والقلق، وحيداً تبحث عن أنيس لك، ظمآناً تبحث عن ماء يرويك، تنظر إلى السماء باحثاً عن ذلك النجم اللامع الذي كان رأسك مرفوعاً له منذ زمن وكانت عيناك آنذاك لم تتوانى لحظة عن النظر إليه، إنك الآن تبحث عنه بعد أن كان يوما ما هو الحياة بالنسبة إليك ووميضه هو النور الذي تستدفئ به في ليل الصقيع، إنك الآن تبحث عنه بعد أن أدركت معنى الحياة بدونه وأن مجرد النظر إليه وأنت تسير في طريقك يعني سعادتك الحقيقية، إنك الآن تبحث عنه بعد ان انحنى ظهرك المثقل بالهموم والمتاعب التي خلفتها تراكمات الشهور والسنون، فحرمت عينيك من النظر إليه بشموخ …

عندما تشعر بذلك كله؛ اغمض عينيك وادخل في ذلك العالم الرهيب… عالم تقشعر فيه الأبدان من خشية خالقها وتذرف فيه الأعين دموع الخضوع والتذلل له… عالم ينقلك من حرقة صحراء قاحلة انت تعيشها إلى لحظات السمو بالروح أمام خالق هذا الكون الكبير، في هذه اللحظات تهب نسائم باردة عطرة تخفف عليك كل حرقة كنت تشعر بها، فيها ترى كتابه جل وعلا بين يديك ونور آياته يتلألأ في عينيك، انك الآن لست وحيداً، وهل تكون وحيداً وهو العظيم الرحيم معك وملائكته؟ يسمع كل همس تهمس به ويعلم بكل صغيرة وكبيرة تنطق بها وتشعر… انها لحظات تستشعر فيها معنى اللذة الحقيقية…

إنها لذة وأي لذة..

إنها لــذة لا تستطيع الوصول اليها إلا عندما تنفض كومات غبار الحقد والتحامل والكراهية المتراكمة على قلبك وأدناس هذه الدنيا الحقيرة الزائلة….

إنها لــذة تطلق روحك التي قد أسرتها بظلمك لها وجهلك بمن وهبك إياها، في قفص ذهبي مزخرف بريقه خادع؛ تسمو بها إلى آفاق الملكوت الأعلى، حيث الملائكة والعرش وأرواح من يعيشون هذه اللذة معك، كلهم يسبحون لعظمته وجلاله….

إنها لــذة يتشرب بها قلبك وعقلك بل كيانك بأكمله، تبث فيه الروح و تعطيه الحياة من جديد، فيتحرك كالعاشق الولهان الذي يبحث عن عشيقه، يضع أغلى مايملك بين يديه ويفعل المستحيل من أجل مرضاته….

إنها لــذة تذيب قلب قلبك، تصهره لتصبه في بوتقة محبته والتوق إلى ملاقاته….

إنها لــذة تفتت الأحجار القاسية التي قد راكمتها الأيام في قلبك فجعلت منها أصناما تعبدها وتقدم أعمالك وأفعالك قرباناً لها ….

إنها لــذة تسبر أغوار النفوس التي انغمست في وحل الدنيا، في ملاهيها وبهرجها وملذاتها…..

وأخيرا

إنها لــذة تلقي عنك أثقالك لترفع رأسك مرة أخرى وبكل شموخ إلى نجمك اللامع الذي كنت تبحث عنه، تزيل الغمامة التي حجبت عينيك عن جماله وتدفعك إلى مواصلة المسير….

فلا تظلم نفسك بحرمانها من لذة المناجاة مع بارئها وخالقها…

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *