سورة قصيرة، لكنها تتضمن عدة رسائل وإشارات، منها:
– الكون يرسل لنا رسائل يومية متتابعة، لكنّها مرمزة، بأنه متقلب لا يبقى على حال، فزمان الضحى ليس بدائم ينقضي ويعقبه ليل، يخلفه فجر.. وهكذا هي الحياة، فيها ضحى نتنعم فيه بأشكال النعم، فضاء يسوده الضياء، نتزود فيه بالمعارف والهدى والوعي، الذي هو ذخرنا حين يهجم علينا الليل والحذر كل الحذر أن نكون كمثل من إذا أظلم عليهم قاموا، ممن يتراجعون ويتحول علمهم إلى جهل بمجرد أن تخفت معالم النور أو تتغير الأحوال ويحل الظلام والضُّحَى ” وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ” (الضحى: ١-٢).
– قد تمر على الإنسان فترات حرمان، أو انقطاع، وأشكال من المرارة والمعاناة والفقد، فليضعها على ميزان الاختبار، فإن كانت تلك الحالات مرتبطة بمقتضى دنيوي حياتي لا تقلل حظه في الآخرة، فليهونها على نفسه وليتذكر بأن ” وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الْأُولَى” (الضحى: 4).
– من مستلزمات التربية والرعاية، أن يُترك الإنسان أحياناً لوحده، ترك مؤقت وليس وداعاً نهائياً، لا عن كراهة أو بغض، فليعتبرها فرصة امتحان، يختبر فيها نفسه، كيف يتصرف، هل يتحمّل المسئولية لوحده، ما مدى ثباته واستقلاليته وصبره وعزمه.. فرغم ما يترتب على تلك الفترات من مرارة وعذاب الهجر، إلا أنها مرحلة في غاية الأهمية لصناعة الإنسان؛ “مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (الضحى: ۳).
مهما تقسو عليك الحياة، وتحيط بك التحديات، فحذار أن ينالك الإحباط أو الغم، فحين يسيطر الإحباط على الذهن يمكنه أن يشل حركة الإنسان ويعطل ملكاته، ما يعني دخوله في فوضى عارمة، وسيطرة أفكار الهزيمة عليه، وانحسار الأمل، وتزعزع الهمم، لذلك عليك أن لا تنسى أبدا الوعد: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (الضحى: ٥).
– في فترات الهجر أو الترك، على الإنسان أن يسترجع ماضيه، سيجده مليئا بالعلامات والإشارات التي تثبت له أنه كان برعاية الله ومحاطا بنعمه، فليستعرضها واحدة واحدة، سلسلة النعم تلك تجعله يدرك أن الله لم يتركه في فترات حياته العصيبة، حينما كان أقل هدى ورشدا، أفيتركه الآن وقد هداه السبيل؟ فليستعد ثقته بالله وليحسن ظنه به، ولتكن هذه الفترة فرصة لتصحيح أو تطوير سلم المعرفة والاعتقاد، وللتمسك والإصرار أكثر من أي وقت مضى بسبيل الخير ودرب الإصلاح: (ألم يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عائلاً فَأَغْنَى) (الضحى: ٨٦).
– حالة الانقطاع أو الهجر حالة ثقيلة، من طبيعتها أن تلقى بظلال من الكآبة على الإنسان، لكن الحذر أن تدخلك في شرنقة يصعب التخلص منها، فبادر إلى معالجة الحالة، بأن تخرج من دائرة نفسك إلى الآخرين، فهناك من حولك من يحتاجك ؛هناك يتيم ينتظر لمسة حانية منك، وسائل يترقب عونك، فالنعم لا تعرف إلا بنشرها، لا تتصور أبدا أنك في تعاسة حين تصنع البسمة على من هم بحاجة ماسة لها، فتوجه لانتشال الناس القابعين في الظلام حقيقة ، وهنا ستشعر بالسعادة، سينجلي عنك الليل، وستشعر بنور الضحى، هذه النصيحة عمل بها النبي (ص)، فكان ضحى لغيره، يبكي ويتألم لكن لوحده، وكلما تذكر إحسان الله إليه بحث عن عمل حسن يهديه للناس، فكان بحق أمينا رؤوفا رحيما، (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ، وَأَمَّا بنعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدَّثْ) (الضحى:۱۰-۱۱).
استجابات