هي أكبر أخواتها، تَزَوَّجَهَا ابن خالتها أبو العاص ِفي حَيَاةِ أُمِّهَا؛ فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَامَةَ، كان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارة، وكانت أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد، وكانت خديجة هي التي طلبت من رسول الله (ص) أن يزوجه بابنتها زينب.
لما بعث النبي (ص) قالت قريش لأبي العاص: “فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت” قال: “لا والله لا أفارق صاحبتي وما أحب أنَّ لي بامرأتي امرأة من قريش”، وكان رسول الله (ص) يثني عليه.
دعت زينب زوجها إلى الإسلام ولكنه رفض أن يترك دين آبائه، وقال: “والله ما أبوكِ عندي بمتهم، وليس أحب إليّ من أن أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد، ولكني أكره لك أن يقال: إن زوجك خذل قومه وكفر بآبائه إرضاء لامرأته ”
بعد الهجرة أمر (ص) بإحضار ابنتيه فاطمة وأم كلثوم إلى المدينة، أما رقية فقد هاجرت مع زوجها عثمان من قبل ولم يبق سوى زينب التي كانت في مأمن من بطش المشركين وتعذيبهم وهي في بيت زوجها الذي آمنها على دينها.
شهد أبو العاص بدرًا فأسر فلما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه قلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بني عليها، فلما رآها رسول الله (ص) رقَّ لها رقة شديدة وقال: “إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا”. قالوا: “نعم! يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها”. و أخذ (ص) على أبي العاص أن يخلي سبيل زينب.
لما رجع أبو العاص إلى مكة، طلب من زينب اللحوق بأبيها فتجهزت فلما فرغت من جهازها قدّم إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيراً فركبته وأخذ قوسه وكنانته، ثم أركبها هودجًا وخرج بها نهاراً
كان رسول الله (ص) قد بعث زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصاحباها فتأتياني بها وأعطى زيدًا خاتمه لتتعرف عليه وتأتي معه.
تلطف زيد إلى راعٍ فأعطاه الخاتم ليوصله إلى زينب، فلمّا أوصله إلى زينب عرفته فقالت: من دفع إليك هذا؟ قال: رجل في ظاهر مكة.
علمت قريش بخروجها فخرجت في طلبها، فأدركوها بذي طوى وكان أول من سبق إليها هبّار بن الأسود بن المطلب فروّعها هبّار بالرمح وهي في الهودج، وكانت حاملاً فطرحت وبرك حموها كنانة ونثر كنانته وقال: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهماً فتكركر الناس عنه.
أتى أبو سفيان في جلة من قريش فقال: يا أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك، فكفَّ فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذ خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا إن ذلك عن ذل أصابنا، وإن ذلك ضعف منا ووهن، ولعمري ما لنا بحبسها من أبيها من حاجة. ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سراً وألحقها بأبيها، قال: ففعل.
أقام أبو العاص بمكة على كفره وبقيت زينب عند أبيها بالمدينة حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش، فلما قفل من الشام لقيته سرية فأخذوا ما معه وأعجزهم هرباً وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فأجارته.
فلما خرج رسول الله (ص) لصلاة الصبح وكبّر، وكبَّر الناس صرخت من صفّة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما سلًّم رسول الله (ص) أقبل على الناس فقال: أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت.
قالوا: نعم !
قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم وإنه يجير على المسلمين أدناهم. ثم انصرف رسول الله (ص) فدخل على ابنته زينب فقال: أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له.
بعث رسول الله (ص) إلى السريّة فحثهم على ردّ ما غنموا فردوه، فأخذه أبو العاص، فرجع به إلى مكة فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا فجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفياً كريماً.
قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني عن الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول الله (ص). ردَّ عليه رسول الله (ص) زينب على النكاح الأول.
استجابات