عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ الجُهَني

بلغ الرسول (ص) أنَّ سفيان بن خالد بن نُبَيْح الْهُذَلِيّ يُعِد العدَّةَ ويجمع الرجال والسلاح بِعُرَنَةَ لغزو المدينة، فأراد (ص) أن يقطع دابره ويردَّ كيده في نحره، وَيئدَ فتنته في مهدها فدعا عبدَ الله بن أنيس وكان رجلاً شجاعًا لا يهاب الرجال وأمره بالمسير، وقال له “انتسب لخزاعة”.

قال عبد الله: يَا رَسُولَ اللّهِ انْعَتْهُ لِي حَتّى أَعْرِفَهُ.

فقال (ص): إنّك إذَا رَأَيْته أَذْكَرَك الشّيْطَانَ وَآيَةُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَنّك إذَا رَأَيْته وَجَدْت لَهُ قُشَعْرِيرَةً.

فقال عبد الله: يا رسول الله ما فرقت من شيء قط.

فقال (ص): بلى، آية بينك وبينه أن تجد له قشعريرة إذا رأيته.

قال عبد الله: “استأذنت النبي (ص) أن أقول فيه، فقال قل ما بدا لك. فأخذت سيفي لم أزد عليه، وخرجت أنتسب إلى خزاعة، وأخذت أُخبِرُ من لقيت أني أريد سفيان بن خالد لأكون معه حتى إذا كنت ببطن عُرْنَة لقيته يمشي، ووراءه الأحابيش وآخرين انضموا إليه، فلما رأيته هِبته، وعرفته بالنعت الذي نعته لي رسول الله (ص) ورأيتني أقطر فقلت: صدق الله ورسوله وقد دخلت في وقت العصر حين رأيته، فصليت ماشياً أومئ إيماء برأسي، فلما دنوت منه قال من الرجل؟ فقلت: رجل من خزاعة، سَمِعتُ بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك. قال أجل إني لفي الجمع له.

فمشيت معه وحدّثته فاستحلى حديثي، وأنشدته شعراً، وقلت: عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث فارق الآباء وسفه أحلامهم، قال وهو يتوكأ على عصا يهدّ بها الأرض لم يلقَ محمد أحداً يشبهني.

فلمّا انتهى إلى خبائه وتفرّق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه، قال هلمَّ يا أخا خزاعة فدنوت منه فقال لجاريته احلبي فحلبتْ ثم ناولتني، فمصصتُ (الحليب) ثم دفعته إليه فعبَّ كما يعبُ الجمل حتى غاب أنفُه في الرغوة ثم قال اجلس. فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا وهدأ اغتررته فقتلته وأخذت رأسَه، ثم أقبلتُ حتى صعدتُ جبلاً فدخلت غاراً.

وأقبل الطلب من الخيل والرجال في كل وجه وأنا مختفٍ في غار الجبل وضربت العنكبوت على الغار وأقبل رجل ومعه إداوة ضخمة ونعلاه في يده وكنت حافياً، وعطشاناً، فوضع إداوته ونعله وجلس يبول على باب الغار ثم قال لأصحابه ليس في الغار أحد. فانصرفوا راجعين وخرجت إلى الإداوة فشربت منها وأخذت النعلين فلبستهما. فكنت أسير الليل وأتوارى النهار حتى جئت المدينة فوجدت رسول الله (ص) في المسجد فلما رآني قال: أفلح الوجه قلت: أفلح وجهك يا رسول الله فوضعت رأسي بين يديه وأخبرته خبري، ثُمّ قَامَ بِي فَأَدْخَلَنِي بَيْتَهُ فَأَعْطَانِي عَصاً، فَقَالَ أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا عِنْدَك يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُنَيْسٍ. فَخَرَجْت بِهَا عَلَى النّاسِ فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟ قُلْت: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللّهِ (ص) وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي. قَالُوا: أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى رَسُولِ اللّهِ (ص) فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ (ص) فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ أَعْطَيْتنِي هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إنّ أَقَلّ النّاسِ الْمُتَخَصّرُونَ يَوْمئِذٍ، فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتّى مَاتَ ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَضُمّتْ فِي كَفَنِهِ ثُمّ دُفِنَا جَمِيعًا.

قال عبد الله بن أنيس يصف قتله لسفيان بن خالد

أَقُولُ لَهُ وَالسّيْفُ يَعْجُـمُ رَأْسَـهُ أَنَا ابْنُ أُنَيْسٍ فَارِسًا غَيْرَ قُعْدُدِ

أَنَا ابْنُ الّذِي لَمْ يُنْزِلْ الدّهَرُ قِدْرَهُ رَحِيبُ فِنَاءِ الدّارِ غَيْرُ مُزَنّـدِ

وَقُلْتُ لَهُ خُذْهَا بِضَرْبَـةِ مَاجِـدٍ حَنِيفٍ عَلَى دِينِ النّبِيّ مُحَمّـدِ

وَكُنْـتُ إذَا هَـمّ النّبِـيّ بِكَافِـرٍ سَبَقْتُ إلَيْـهِ بِاللّسَـانِ وَبِالْيَـدِ

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *