في الأزمة (العراقية – الأمريكية) أثار الموقف (الفرنسي -الألماني – البلجيكي) المعارض للسياسة الأمريكية حماس الكثيرين، واحتلت التحليلات لهذا الموقف – المعارض لدرجة استخدام الفيتو – حيزا كبيرا في الإعلام العربي والعالمي، وقد تمحورت تلك التحليلات حول عدد من الآراء نوجزها في الآتي:
1 – البعض رأى في الموقف (الفرنسي – الألماني) موقفا مبدئيا مدافعا عن الحريات وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في شئون الآخرين، ورفض مبدأ تغيير الأنظمة بالقوة، والسعي لحل قضايا العالم بالطرق السلمية، في مقابل الغطرسة الأمريكية ونزعة الهيمنة على العالم بالقوة التي وصلت إلى حد الصلف والتصريح بذلك نهاراً جهاراً من قبل أركان الإدارة الأمريكية، حتى غدت فرنسا في وجهة نظر هؤلاء حاملة لواء الحريات والمبادئ والمدافعة عنها في مقابل الثور الأمريكي الهائج.
2 – الرأي الآخر وإن لم ينفي الصدقية عن الموقف (الفرنسي – الألماني) إلا أنه يعزوه إلى خوف بالدرجة الأولى من تفرد أمريكا بالسيطرة على تلك المنطقة الحساسة من العالم مما يمكنها بالتالي من التحكم في كثير من دول العالم – ومنها أوروبا بالتأكيد – وبالتالي التحكم في سياساتها عن طريق السيطرة على عصب الحياة لكثير من دول العالم – وبالخصوص الصناعية ومنها فرنسا وألمانيا بلا شك – ألا وهو النفط ، فأصحاب هذا الرأي إذن يعزون الموقف (الفرنسي – الألماني) لمصالح أوروبية بالدرجة الأولى.
3 – الرأي الثالث والأخير الذي نستعرضه لا يرى في الموقف (الفرنسي – الألماني) إلا موقفا منافقا يظهر عكس ما يبطنه، ولم يمتلك الجرأة ليظهر ما أظهره الأمريكان من وقاحة وصلف، فهو يعارض ظاهرياً ويساوم في السر ليزيد نصيبه من الغلة العراقية أمام باقي اللاعبين من أمثال أمريكا وروسيا.
والآن… ماذا بعد… هل هناك من يستطيع أن يجزم بصحة أحد الآراء لدرجة اليقين، وهل في السياسة إجابات قاطعة، أمن العقل أن نترك مصير عالمنا العربي والإسلامي لتحليلات ننتظر نتيجتها – والتي قد تسفر عن كارثة – لنتبين الصحيح منها، إن أقل ما يقال في مثل تلك الظروف وما يحكم به العقل السليم هو أنه ما لم تقم أنت بالدفاع عن مصالحك فمن الذي يجبر الآخرين على فعل ذلك، وهل حك جلدك غير ظفرك، إنه منطق الهوان والضعف أن نطلب من فرنسا وألمانيا مواجهة أمريكا حينما تهاجم أمريكا دولة عربية وإسلامية وتعلن صراحة أنها ستعيد رسم خريطة الشرق الأوسط وفق هواها ومصالحها، وما الذي سيجبر الآخرين بالدفاع عنك وهم يجدونك متقاعسا عن فعل ذلك، أليس من الأجدر في مثل تلك الأزمات أن نسند ظهرنا لأخ لا أحتاج لكثير عناء في تحليل موقفه لأتبين هل هو دفاعا عن مصالحي أم طمعا فيها، ألا نمتلك محورا وإن كان لا يمتلك الثقل الفرنسي الألماني على المستوى الدولي، فإن انبعاثه من قلب المنطقة يعطيه قوة ومهابة والتفافا لا يحظى بها المحور الفرنسي الألماني. أتعجز دولتان من مثل مصر وإيران أن تقوما بمثل هذا الدور مع كل ما يملكان من ثقل تاريخي وإسلامي وحضاري في المنطقة العربية والإسلامية لولا أن الضعف قد أصاب جميع مفاصل الدول الإسلامية، وشاع عدم الثقة بين الشعوب وحكامها ونخر السوس عزيمة مليار مسلم.
والله لو قدر لهذا المحور أن ينهض (مصر – إيران) لأمكن للمسلمين والعرب أن يطمئنوا أن مثل احتلال أمريكا للعراق ما كان أن يتم، ليس بسبب فيتو في مجلس الأمن، بل ولأول مرة في التاريخ بفيتو من خارجه.
استجابات