كلمة العدد

الإنسان كائن ذو بعدين؛ جوهر ومظهر، وجمعية التجديد تؤمن أنّ جوهر الإنسان يلزمه برنامج صلاح يقوّمه ويهتدي بهديه، والحقّ أنه برنامج ثابت مدى الدهر منذ خلق الله الإنسان فقط يزداد بساطةً أو عمقاً، أما مظهر الإنسان الذي يُعنى بحياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية فله برنامج صلاح متغيّر وإن كانت مقاصده واحدة، فما يصلح لزمان ومكان من أشكال قد لا يناسب غيره. برنامج الصلاح هو عمليّة هدم وبناء، هدم الفاسد ليحل محلّه ما ينفع، وليعين الفرد والأمة فيما بعد على بلوغ الغاية التي هي إبقاء الناس على مؤشّر الحيوية والهدفية والانتاجية، وحفظ وجودها من آفات التردّي والانهيار.

ولعل أهم مفهوم يلزم الإنسان ليجد نفسه حيويا فاعلا في برنامج الصلاح هو إيمانه بذاته، بمعنى إيمانه بما ينبغي أن يفعل من خلال تلك الذات وأنه مُعبّأ بقوى تُعينه على ما ينبغي، على أنْ يظلّ مدركاً بأنه مفتقرٌ دائماً إلى العلم وأنه باحثٌ عن الحقيقة والكمال، التي هي غالباً ما تكون في مكان آخر، لهذا فعليه دائماً أن يُصمّم بأن يكون مع ذاته وأن يكون فيما وراءها في ذات الوقت، ليشهد كيف أنّ هذه الحركة التي هي في الأساس من الداخل (أي ذاته) للخارج هي مساره الذي يحفّزه نحو التطوير والصلاح من خلال تفاعله المتبادل مع الآخرين. هذه هي الرؤية المجسّمة للحياة التي يمكن تقديمها لكل إنسان يتطلّع للوجود الإنساني الحيّ، مع التأكيد على أصل الموضوع؛ وهو أن ذات كلّ إنسان تتبدّى في فعله، ولهذا الفعل أثر، يتجلّى من خلال بصمات وجود كلّ إنسان بماضيه وحاضره، ومستقبله!

إذن، فأهم الخطوات في هذا الاتجاه هي إحساس كلّ فرد بإمكانياته وقدراته، تلك الكامنة والقابلة للتحوّل التطوّر ومواجهة العقبات وابتكار الأساليب التي تجنّب العثرات بل وتعمل لامتلاك سلطان التغلب عليها.

بين صفحات هذا العدد من مجلة التجديد جولة في آفاق أخلاقيات وقيم فرديّة ومجتمعية تغْرُض لصلاح جوهرنا، وتسهم في تلمّح خطوات الصلاح؛ بدءًا من بيان فضل “أخلاق الكمال” قيمًا ومعرفة، ومن ثم استعراض الانحدار في قيمنا التي برّرت تسمية عصرنا بـ”العصر الجاهلي الحديث”، إحدى نماذجها مفهوم “النميمة” التي ليست سوى حالة من العبودية الذهنية، روّجتها وفرضتها وسائل التواصل الاجتماعي اليوم. وغرضها الأوسع تم عرضه في ملف رئيس بـ “موضوع الاحتيال”، وهو اعوجاج في المسار الإنساني يلتوي على القانون الأعلى السامي، القانون الذي يقوم على تبادل القيم المتساوية بعدل، تم تحليل هذا الاحتيال كآفةٍ مضادّة للصلاح الإنساني ضربت مجالات الحياة؛ مثل الصَّحافة، الخطاب الإعلاني، وفي العلاقة الزوجية.

كما تمّ استعراض عدّة أدوات يقوم عليها تشييد الصلاح الفكري والسلوكي للأفراد والمجتمعات، كالتدافع: “التدافع كعماد للإصلاح وجوهر للتغيير”، والتقوى:”التقوى بمفهوم آخر”، وكيف نتلمّح العواقب لنُعدّل بالحبّ والتسامح من سلوكنا العدائي وألفاظنا المسيئة في: “زراعة الثمرة في البؤبؤ”، وفي العدد تبيان مفهوم “السلعة المعنوية” كمدارج نحو كمالنا الروحي في معاملاتنا وتداولاتنا الإنسانية لتكون مادة حياة وأداة نماء.

كما يعرض العدد آفاتٍ تهدّ كيان الفرد وتهدّد المجتمع، ويُنبّه للتوقّي منها، كآفة الشعور بـ”الضحية” ووجوب التحرّر من سلوك الانتقام الملازم له وتجاوزه، وأيضا آفة قوائم “الكراهية” المنفلتة والتي ينبغي إعادة ضبطها وتنقيحها بقبّان الوحي لتكون إيجابية وقائية، وثالثها آفة “الفسوق” عبر شرح مفهومه ومصاديقه وآثاره.

وإذ تقدّم مجلة التجديد كل ذلك في عددها التاسع، فإنّها تأمل ببثّها مادّة للوعي أن تُسهم من خلالها تقديم خيارات ومعالجات ومراقي تصون المجتمع وأفراده، وتحثّه على تجاوز مخاضات الحياة واستئنافها بأمنٍ ورقيٍّ وسلام.

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *