استهلّ الرسول الأعظم محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم دعوته لعشيرته ولقريش بعرضه عليهم إسلاما يتوافق مع فطرتهم التي فطر الله الناس عليها ، يثبت قيم الإنسانية أولاً وأخيراً، فأطاح بالشرك والوثنية بالشهادة الأولى لله، وأعلن السير على منهاج قيم الأنبياء على مر التاريخ بالشهادة الثانية لرسوله والإيمان بأنبياء الله ورسله من قبله ، فكانتا بوابة الدخول في الإسلام المحمدي، ولا يخرج المرء من هذا الإسلام إلا إنكارهما مرة أخرى. بذلك التبسيط تعامل الرسول مع المؤمنين الذين جعلهم الله إخوة “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ”، فرسم بذلك منهجا للتعامل يحفظ للمؤمن بشهادته الله ولرسله دمه وماله وعرضه ، له حقوق الأخوة كاملة غير منقوصة.
مرت الأيام والرسول يجتهد في خلق جيل يحملُ مبادئه من بعده، يعلمهم ويزكيهم، ويمحص فهمهم لمبادئ الدين، فكان له ذلك، ثم رحل راضيا مرضيا إلى جوار ربه . اجتهد المسلمون من بعده كما علمهم رسولهم، وتعددت آراء الرجال، في فضاء علمي رحب يتسع لكل هذا التعدد، ويرتكز على التسامح، فكان اختلافا محمودا بين أبناء الدين الواحد، والقبلة الواحدة، لأنه يزيد الآراء كمّاً ونوعاً بتدافعها، ويفتح أبواباً للأمة، ويزيد في تنوع خياراتها في مواجهة استحقاقات قضاياها. تحول بعدها هذا التنوع إلى مناهج تفكير ومبادئ قامت عليها مدارس فقهية جديدة، لكل أتباعها ومريدوها، وهو أمر محمود إن انحصر في الفكر، وعُدّ من الاختلاف الإيجابي الذي يبني ولا يهدم، ويتحرك ولا يقف، ولكن وقع المحذور ، وتصنمت آراء الرجال، ليتوقف نتاج العقول، وتجمد على آراء بعينها وتضخمها ، فتصير الآراء مذاهب عقائدية، ينتمي إليها حصرا بعض المسلمين ويُحسبون عليها، فيُتَعصب لها، ويُقتل المخالف من أجلها، ويعد الخوض في بعض مرتكزاتها تعديا على الدين وخروجا عليه، فيشيع التكفير بدل التفكير، ويقمع الناس من إعمال العقل والاجتهاد، وتتوقف مسيرة الإبداع الذي أطلق شرارته المفكرون الأوائل، ويشهر سيف حد الردة و الابتداع ليحز رؤوس المخالفين لهذا المذهب أو ذاك .
في هذا الملف عزيزي القارئ، وضعنا بين يديك قراءة معمقة ومعالجات نجزم أنها ضرورية لا غنى عنها، وملحة لا يمكن تأجيلها، حاولنا من خلالها تمحيص عقيدة الفرقة الناجية بسبر أغوار نصوصها التاريخية وإعادة قراءتها، هذه العقيدة التي أسست شرعية التناحر وحفرت عميقا لتأرق وجدان المسلمين ومشاعرهم. رسمنا بعدها محيط دائرة المقدّس الجامع بين المسلمين وحاولنا نفي كل الزيادات الطائفية والمذهبية التي وسعت دائرته فأخرجت الناس من دين الله أفواجا لأنه ضاق فلم يسع المخالف. عمدنا بعدها إلى رصد دور الإعلام وعموم دور السياسات والساسة وقدمنا نماذج منها في تأجيج الاختلافات وإيقاد نار حروبها. ثم أخذنا المبادرة بعد التشخيص لكي نخرج من فضاء صندوق تفكيرنا الطائفي والمذهبي علنا نتنفس هواء نقيا يساعدنا في اجتراح معجزة لإيجاد حلول جذرية تساعد في إيجاد علاجات أمراض الأمة المزمنة بعد تشخيصها بدقة وعناية.
إليك عزيزي القارئ هذا الجهد ولك أن تأخذ منه أحسن ما قلناه أو ترفضه ، كله أو بعضه، فإنما هو اجتهادنا في خدمة الملة ، ورفعة الدين ، ومساهمتنا الجادة لنعيد لهذه الأمة بعض بريقها، لتستعيد مكانها، أمة وسطاً، شاهدة على الناس بقيم دينها، وعمل أبنائها من أجل سيادة الإنسانية.
استجابات