نُبدّدُ الحيرة ونبدأ المسيرة

 يساورني قلقٌ لا يهدأ لي معه قرار ..

ينتابني خوفٌ يجرّني إلى وادٍ سحيق وحيرةٍ في العقل ..

تنكأ جراحي تناقضات المفاهيم وتيهي في صحرائها أربعين سنة!

أصل السؤال بعد صمت بالسؤال، والجواب متلكئ على لسان الخواطر والأفكار..

بين دولة الرسول وامتداداتها في زمان الخلفاء..

وبين حاضرٍ أشدّ إيغالا في ظلمة الحيرة من كلّ الحقب الغابرة ..

بين حاضرة المدينة المنورة وحاضر الدولة المنتظرة على شواطئ العقول الحائرة أسأل:

أهي دولة مدنية أم إسلاميّة؟

أعني دولة الرسول (ص) في عصر انبعاثها وعنفوانها.   

فيعييني الجواب..

وتتناهبني الأفكار فلا أكاد أميز راجحها من باطلها في شدة الضباب!

رسولاً نبيًا حاكمًا أم إنسانًا خبيرًا صلُح للحكم بتجربته وذكائه وخلقه؟

أهو حقاً تراكمُ خبرتِه القيادية التي تؤهله ليتسنم حكم الدولة والناس؟ أم هي نسبته للسماء؟

بين وثيقة المدينة المدنية وبين ادعاءات المنظرين بضرورة أسلمة الدولة الحديثة فيافي صراعات ومعضلات فكرية عميقة وتناقضات..

لست أدري إن كان هناك من عقل فكَّ عقدتها، لست أدرى من سبر أغوارها وأتانا بجواهر حكمتها ولكني أعرف أن لـ”جمعيّة التجديد” نظرة تقول: 

بأنَّ إسلامية الدولة بالطريقة التي يدعيها كثير من المنظّرين وهمٌ غير قابل للتحقق، إنَّ دولة يعبر عنها الطامحون بأنَّ القرآن دستورها لم ولن تكون سوى أمنية لا يدركها صاحبها مهما عمل واجتهد وتسلح بالإخلاص سعيًا للخلاص؛ لأنَّ الأماني ليست هدفًا يقبل السعي له بل هي [ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ]

وهل الحقيقة التي يقودك السراب إليها إلا وجود عدم؟ “لا ماء في مرأى السراب”!

كذلك أوهامنا عن الدولة المحمديّة الإسلاميّة التي كان القرآن دستورها..

هي ليست سوى دولة مدنية؛ تشريعاتها إسلامية الطابع؛ لأنَّها انعكاس لما حمل الرسول في عقله من فكر ووسم سلوكه من أخلاق إنسانية..

شرَّع الرسول لها بوثيقة المدينة، أنموذج من بين نماذج كثيرة يمكن أن يتوافق عليها الناس لتصب الجهود جميعها لمصلحة تحقيق العدل والقسط والسلم والتطور والرقي!

لم تكن إلا أنموذجًا ناسب الزمان والمكان..

أنموذجًا للدولة ببنية ناسبت مجتمع الجزيرة العربية!

هي أنموذج لتفاعل الوحي مع الواقع الذي يعيش فيه لتحقيق مقاصده الكبرى؟

وهناك أوجه وبنىً لهذه الدولة مختلفة للإنسان أن يقترحها، أراد الرسول أن يقول لنا بهذا التطبيق معكم القرآن وهو رسائل من ربكم تتدبرونها لتعملوا بها.

معكم القرآن تدبروه واتخذوا من آياته عدة لكم.. هو كفيل بأن يهديكم للتي هي أقوم في الحكم والعمل بتفعيل مقاصده الكبرى، هكذا فعلتُ وأنا حي فيكم وبين ظهرانيكم، وهكذا يجب أن تفعلوا.

تركت فيكم سيرتي وتجربتي فاسمعوا وعوا..

تجربة المدينة سيرة والإسلام منهج لمسيرة تنشد تطورًا في كلّ الأزمان والعصور، منذ آدم حتى محمد، ومن الآن حتى نهاية الزمان.

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *