بحسب موّالٍ مصريّ “فيه ناس بتأخذ كلّ حاجة..”، فثمّة فئاتٌ تحتكر الدين كلّه وتفسيره بلا مُسوّغٍ ولا أهليّة، وثانية تحتكر العلوم والمعلومة والتقنيّة ظلماً وعلوّاً، وثالثة تحتكر السلطة والسياسة بلا شريك ومنازع، ورابعة تحتكر السلع وضرورات الناس، وجميعُهم على الشعوب “سجونٌ متلاصقةٌ.. سَجّانٌ يُمسك سجّان”. حين سادت دوَلُ محتكري السياسة المتحالفة مع محتكري الدين.. دِيسَ في بطون الفقراء والمصلحين، وحين انهال على أمّتنا المستشرقون مع المدّ الاستعماري.. بأُحاديّتهم الدينيّة التوراتية.. حاكوا تاريخاً لأمّتنا قائماً على الدسّ والتدليس والتفسيرات الفجّة الخاطئة لمكتشفات الألواح والرُّقُم والمسارد والجداريّات. كباحثٍ في جمعيةٍ تُعنى بمراجعة تراثنا.. وتقصّي “آثار الزيغ والأهواء” وتلمّس “حبائل الكذب والافتراء”، أحاول مستطاعي القبضَ على خيوط التزوير والتضليل التي تلفّنا وتستلب وعينا وتكاد تشنقنا وتخنقنا بكثافة شباكها العنكبيّة.. لتبقينا عقيمين ومعوَّقين فكريّاً، وجدتُ كمّاً مَهولاً من التفسيرات والترجمات المغلوطة للتوراة (ما يُسمّى بالعهد القديم)، في دلالةٍ بارزةٍ على جهل ومكابرة المفسّرين والمترجمين الذين يحتكرون نصوص الدين ويُقدِّمون تفسيراتها للنّاس، مثلما وجدتُ مهولات الأغاليط تطمّ تفاسير آيات القرآن الحكيم ونصوص النبوّة بأمّهات المسائل…
“لم يحدث السبي البابلي لليهود في فلسطين، كما أنّ المصريين والآشوريين لم يشتبكوا فوق أرضها قط، وسفن سليمان لم تمخر عباب المتوسط، ولم ترسُ في موانئ صور اللبنانية، والملك داوود لم يحارب الفلسطينيين، وبينما يُزعم أنّ الهيكل بني في فلسطين فإنّ الحقيقة التي لا مناص من التمعّن فيها اليوم هي أنّ القبائل اليهودية اليمنية العائدة من الأسر البابلي هي التي أعادت بناء الهيكل في “السراة اليمنية” وليس في فلسطين… فمملكة إسرائيل القديمة لم تكن قطّ في فلسطين، بل في اليمن شرقي صنعاء أو في نجران”، هذا ما توصّل إليه الكاتب والباحث العراقي فاضل الربيعي في كتابه “فلسطين المُتخيلة” وغيرها الكثير من المعلومات التي تؤكّد على كذب ادّعاءات اليهود في أرض فلسطين المحتلّة. كما يرى باحثون آخرون كسامر الإسلامبولي وغيره أنّ المسجد الأقصى الموجود في القدس المحتلة ليس هو القبلة الأولى التي كان يستقبلها المسلمون في صلاتهم في بداية الدعوة، لأنّه لم يكن موجوداً آنذاك، بل بناه صلاح الدين الأيوبي عندما حرّر فلسطين من الصليبيين على أنقاض كنيسة القيامة، وقد أطلق…
تكره النفس البشرية – في الغالب – من يذكّرها بخطيئاتها وأخطائها ولذا فهي تحاول أن تظهر في أبهى صورة إما بالتجمّل أمام الآخرين وإخفاء عيوبها لتحوز على كلمات الإعجاب والتمجيد – ولو نفاقاً وكذباً – أو أن تتوارى عن المواقع التي تعلم أنها سوف تُعرّى فيها مهما تستّرت خلف مساحيق التجميل، فمواجهة العيوب والأخطاء من أعسر مواجهات النفس لأنها تضع الإنسان أمام مرآة عاكسة حقيقية، تكشف لها تفاصيل أخطائها ولا تملك أن تجعل القبيح جميلاً أو العكس، ومع هذا فنحن عندما ننظر إلى المرآة فإننا إنما ننظر إلى حسن خلقتنا، أو جمال سحنتنا، ولكن قلّما يجرؤ أحدنا أن ينظر في عينيه خشية أن يرى من خلالها كائناً آخر غير الإنسان الذي يتمنظره أمام المرآة .. فالعين نافذة القلب. مقدمة نفسية فلسفية أبدأ بها المقال في محاولة لفهم ما يحدث في العالم المعقّد من حولنا، فقد قاطعت أمريكا وإسرائيل وعدد من الدول الأوروبية مؤتمر مناهضة العنصرية (أو ما يُعرف بمؤتمر دوربان 2)، وانسحبت مجموعة أخرى من الدول الأوروبية بمجرد أن تطرّق…
أين أنت يا مصر؟ ماذا دهاك؟ ألا تبصرين أندادك في الستينات أين وصلوا؟ وكم فعلوا؟ لشتما تباعدت هند نهرو عن مصر عبد الناصر، بعدما كانتا فرسي رهان، فأين مصر اليوم عن الهند، وأين مصر عن أندنوسيا سوكارنو؟ و أين أنت يا مصر عن ماليزيا وكوريا حتى لا نقول عن الصين؟ أم أن العالم كله قادر على النجاح من دوننا نحن العرب؟ صَنَوَاتك بالأمس صاروا يملئون أسواق الدنيا بمنتجاتهم؛ سيارات وقاطرات وكهربائيات وملابس ومنتجات زراعية مصنعة، وأنت لا زلت غارقة في الوراء كأنك لم تكوني ندا لهم يوما؟ أو لم تكوني وإياهم والبرازيل والمكسيك وأمثالهم على قدم واحدة في الظروف والإمكانات؟ فلم سبقوك وخلفوك وأنت أنت أم الحضارة وكنز الرجال المقتدرين ؟ تركيا وإيران هما الأخيرتان قد خلفوك وراءهما، ثلاثون سنة من الثورة في إيران كانت كافية لهم ليبلغوا الفضاء، ويكتفوا في السلاح، في ظروف هي بلا شك أقسى بما لا يقاس من ظروفك في نفس هذه السنين الثلاثين، فما الذي كان ينقصك حتى لا تكوني مثلها وأفضل منها؟ لا شيء…
… جرس لا يُقرع إلا كلّ عام قبيل عيد النيروز (21 مارس) في مدارس إيران يؤذِن بقرب حلول عيد البر والإحسان حيث تُجمع فيه التبرعات المالية والهدايا العينية للعوائل ذات الدخل المحدود، وتُعد قوائم الأيتام لمن يريد أن يكفل يتيماً أو يعين مسكيناً، فلا يأتي عليهم عيد الربيع بحلّته الزاهية، وما يحمله من معاني الجدِّة والصفاء والسلام والمحبة إلاّ وقد اعتُني بالفقراء والمعوزين قبل الاعتناء بمراسم وطقوس هذا العيد الذي تشترك فيه الكثير من الأمم والشعوب العربية كالمصريين والسوريين والعراقيين وغير العربية كالأتراك، والإيرانيين، وشعوب آسيا الوسطى، واليونانيين وغيرهم بأسماء مختلفة وممارسات متشابهة تدلّ على وحدة مصدرها. ففي مصر يُعتبر (النيروز) أول يوم في السنة الزراعية الجديدة لأنه ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل (سبب الحياة في مصر)، ولدى السوريين هو يوم تجدّد الحياة إيذاناً بقدوم الربيع وتبرعم الشجر وتفتح الزهر، ويُطلق على هذا العيد في بعض مناطق العراق يوم (المحيا)، رمزاً لإحياء الربيع للطبيعة بعد جمود الشتاء، أو يوم (الخضر) لارتباط اسمه بالخلود والبقاء، وقد احتفل المسيحيون بهذا العيد باسم…
تصفّح كتاب توراة الكهنة ومرّ على قصص أنبياء الله (ع): موسى، هارون، سليمان، داوود، لوط، يعقوب، نوح .. كلّهم افتُري عليهم وأُلصقت بهم أفعال لا تليق بإنسان عادي فكيف بأنبياء مبعوثين من قبل الله لهداية الناس. فأما لوط (ع) الذي عانى ما عانى من قومه بسبب عكوفهم على رذيلة الشذوذ الجنسي، فتذكر توراة الكهنة أنه لمّا أهلك الله قومه لجأ إلى مغارة مع ابنتيه فسقتاه الخمر وضاجعتاه وولد من هاتين الفاحشتين ولَديْن منهما انحدر (العمونيون) و(المؤابيون) – أعداء بني إسرائيل – ويذكر سفر التكوين عذراً أقبح من ذنب لارتكاب هذه الفاحشة على لسان كبرى بناته حيث قالت لأختها: “أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض .. هلمّ نسقي أبانا خمراً، ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلاً .. إلخ”، فيصور النص التوراتي المزوّر نبي الله لوط وبناته في أبشع صورة ليثبت أن العمونيين والمؤابيين – أعداءهم – أبناء زنا. وداود (ع) ابتُدعت له رذيلة لا تطرأ على بال بشر، فيُذكر في التوراة أنه لما أراد الزواج…
حينما كنّا طلبة بجامعات أمريكا، لدينا صديقٌ إيراني شيوعي (شيعيّ الأصل)، يقول: إذا قلتَ لي “الله” غير موجود فلا بأس، أمّا إذا قلت “العبّاس” (وهو أخ الإمام الحسين) غير موجود.. سأشقّك نصفين! صغريات العقائد.. والخصومات بها، باتت أعزّ لدى الناس من عقائدهم الجوهريّة وقيَمهم العليا، ومن سخرية الأقدَار أنّ الصهيونية استغلّت انقلاب الموازين هذا أبشع استغلال، فرسّخت تجريماً قانونياً وترهيباً لمن يُنكر محرقتهم بأفران الغاز النازيّة (الهولوكوست) أو شكّك بأرقامها، ليُلاحق بأمريكا وفرنسا وأوربا، وأخيرا بابويّة الفاتيكان، وعلى النقيض لا يُؤبه بمن يُنكر الله وأنبياءه، بل ولا مَن يرميهم بالفواحش والقذارات كما فعلت القناة العاشرة التليفزيونية الصهيونية مؤخّراً، والأنكى عدم تجريم مَن يصنع المحارق الحقيقيّة بشعب عربيّ أعزل، يُشرّد نصفه ويعتقل ويقتل ويُحاصر نصفه الآخر، يسلب أرضه، ويقتل ويُجزّر أطفاله ونساءه! لقد تعرّض الأسقف “وليامسون” لحرمان كنسي وتنديد لقوله: “لا وجود لغرف الغاز، وعدد من قضوا من اليهود هو ثلاثمائة ألف لا ستة ملايين”، طورد هذا الأسقف حتّى أمرت الأرجنتين بترحيله بدعوى “معاداتة للسامية” لتقليله أرقام محرقة يهودٍ صهاينتهم يشتمون…
“نحدّد مربعاً، ثم نبدأ بإزالة التراب، فتظهر أوّل ما تظهر طبقة الحضارة العربية الإسلامية وهي بعمق متر – أكثر أو أقل – لكننا لا نتوقف عندها، بل سرعان ما نتجاوزها بناء على طلب الخبراء البلجيك، أمّا إن ظهر بها بعض الفخّار فيأخذونه ليخزّنوه إذ لا يوجد مختصّ بالآثار الإسلامية بين أفراد البعثة، وإذا ظهرت آثار بعض المباني فسرعان ما يتم تجاوزها بالحفر إلى أعمق من ذلك فتنخرب، حتى نصل إلى الطبقة الرومانية، عندئذ يبدأ العمل الحقيقي، فيدرسون كل طبقة تراب بعناية فائقة، يرسمونها بدقة ويسجلون كل تفصيل مهما بدا صغيراً ويحافظون على كل أمر مهما بدا تافهاً، ونفس الشيء يقال عن المرحلة الهلنستية واليونانية فلا يتركون أيّ شاردة أو واردة تفوتهم .. لقد جاءوا وهاجسهم الوحيد الوصول سريعاً إلى هذه الطبقات لذلك يزيحون الطبقة العربية الإسلامية من طريقهم بكل بساطة فيتلفونها”، هذا ما يؤكّده أحد دارسي علم الآثار الذين يعملون مع البعثة البلجيكية التي تواظب على القدوم إلى أفاميا (مدينة سورية أثرية) على مدى خمسين عاماً. المنظومة الغربية قائمة على…
مسيرات المساندة والاحتجاجات عمّت أقطار العالَم بأسره من الغرب إلى بلدان التطبيع العربيّة، لدرجة وصف رئيس الوزراء الموريتاني علاقات بلاده مع إسرائيل بأنّها “علاقات مشينة، كان ينبغي ألا تكون أصلا”، وكان شعار الموريتانيّين: “لا سفارة لا سفير، لا علاقة مع إسرائيل”، وشعار المغاربة: “من المغرب لفلسطين شعب واحد مش اثنين” و” لا لا ثم لا.. لتطبيع العُمَلا” و”غزّة غزّة في العيون، سحقًا سحقًا يا صهيون”، والجزائريّين: “غزّة غزّة، رمز العزّة”، و”ياللعار ياللعار، حكومات بلا قرار”، تونس: “الحكّام والأمريكان شركاء في العدوان”، ليبيا: “هذا عار هذا عار، بعتوا غزّة بالدولار”، مصر: “تسقط تسقط إسرائيل، ويسقط معها كل عميل”، لبنان: “من غزة لبيروت، إسرائيل لازم تموت”، الأردن: “لا سفارة صهيونية، على الأرض الأردنية”، العراق المحتلّ: “كلا كلا يا أمريكا، كلا كلا لإسرائيل، نعم نعم لفلسطين”، الإمارات: “نموت وتحيا فلسطين”، قطر: “غزّة عطشت غزّة جاعت، ليش النخوة منكم ضاعت؟”، الكويت: “يا للعار يا للعار، عربي يشارك في الحصار!”، البحرين واليمن: “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل”، وعشرات الشعارات أحرق متظاهرون معها العلميْن الإسرائيلي والأمريكي وداسوهما،…
قصة الأطفال المعروفة عن “انتحال” الذئب شكل الجدّة الوديعة واستلقائه بفراشها ليخدع الطفلة ليلى، هذه القصّة تُعاد بحبكةٍ مع الشعوب في معظم مواطن حياتهم السياسية والإيمانية. هل فكّر القارئ لماذا نُسمّي “النحلة” “نحلة”؟! لأنّها “تنحلنا” عسلاً، “نحَل” تعني أعطى، و”انتحل” تعاطى واتّخذ، الانتحال تعاطينا واتّخاذنا صفةً ليست لنا، وليس كما قال ابنُ فارس (“نحل”: النون والحاء واللام كلماتٌ ثلاث: الأولى تدلُّ على دِقّةٍ وهُزال، والثانية على عطاء، والثالثة على ادِّعاء؛ فالأولى: نَحَل جِسُمه نُحولاً إذا دقَّ، وأنْحلَه الهمُّ. والثانية: نَحلْتُه كذا أي أعطيتُه، والثالثة قولهم: انْتحَلَ كذا، إذا تعاطاه وادَّعاه)، بل أصلها “كلمة واحدة”، تدور حول “العطاء/الأخذ”، فالجسم “النحيل” (نحَل) أعطى ما فيه، والهمّ “أنحل” الجسم يعني “أخذ” قوّته وحيويّته، و”الانتحال” هو “اتّخاذ/تعاطي” صفة، شبيهاً لما قال. سبب تعاطينا مفهوم “الانتحال”، رواجُ منظومة “الانتحال” العالميّة التي تُلبس الحقّ بالباطل، وتستضعف الناس وتُعاملهم كأطفال، ليستلطفوا ذئاباً متسربلة بألبسة الرحمة وباستقامة الأسنان، خافية الذيول والتبعات! فبالأمس لم تُفاجئنا الأنباء أنّ أمريكا “المُنتحلة” لراية “حقوق الإنسان” وألوية “الحرّية والمساواة”، هي أوّل منتهكيها بحسب…