منذ الدهر، سادَ مبدأ (القوّة) والعضلات، على مبدأ (الحكمة) و(الحبّ)، فأرزح المرأة تحت العبودية والاضطهاد، وأهدر كرامتها وحقّها، وذيّلها كطرفٍ تابع، لا رأي لها ولا استقلال، فحضارة الهند عدّتها مِن لوازمه، تُحرَق معه متى مات! ولدى فارس وجاهليّة العرب سُخِّرتْ عشراتُهنّ لمتعته ومقتنياتِه، وعند اليونان -بلد الفلسفة- احتُقرت وصُنِّفت كحيوان تابع للرجل. بَوارقُ الأديان أومضتْ لكسر قيود المرأة ولإرجاع كرامتها، لكنْ خلائف مُتديّنيها سرعان ما تنقلب على أعقابها برحيل مؤسّسيها الربّانيّين، لتعيد الجاهليّة الأولى النشاز. فبمنطقتنا، ساد منهجُ الكهنة التوراتيّين مُؤسِّساً لمنظومة احتقار المرأة، بتصنيعها بدايةً مِن ضلع أعوج من آدم (وبنى الربُّ الإلهُ الضلعَ التي أخذها من آدم امرأةً)، ثمّ بتحميلها وزرَ سقطةِ آدم وشقاء الذرّيةِ: (فرأتْ المرأةُ أنّ الشجرة جيدة للأكل.. فأخذتْ من ثمرها وأكلتْ، وأعطتْ رجلَها أيضا منه فأكل)، أصّلَ الكهنةُ بهذه المحكيّة سيادةَ الرجل، ودونيّة المرأة واعوجاجها، وتسليعها وإخدامها له، بِعقوبةِ الربِّ لحوّاء: (وإلى رَجُلِك يكون اشتياقُك، وهو يسودُ عليك)، ومنهجوه بمُدوّنتهم، فلفّقوا لسليمان(ع) 700 عشيقة و300 زوجة، ولأبيه داود(ع) 99 زوجة عدا محظيّاته!! تسلّل منظورُهم…
عملاً بوصايا (الملتقى العربي الثالث للتنمية الإنسانية الذي نظّمته بامتياز جمعية البحرين النسائيّة لتحقيق نهضة المرأة)، واحتفاءاً بالنسوة الهادفات المتواجدات بالمواقع والمناشط، أهدي هذه الحلقات إنصافًا وإكراماً لهنّ، ولابنتي، وأختي، وزوجتي، وأمّي؛ أهديها للمرأة. قال أبو بكرة: (لما هلك كسرى، قال النبيّ: مَن استخلفوا؟ قالوا: ابنتَه، فقال(ص): “لن يفلح قومٌ ولّوا أمرَهم امرأة”، فلمّا قدمتْ عائشةُ -البصرة- ذكرتُ قولَ النبيّ فعصمني اللهُ به)! الذين ثبّتوا هذه الرواية واستخدموها، لم يفطنوا مُناقضتها لوقائع التاريخ مرّتيْن، أولّها مناقضتُها خبراً وثّقه القرآنُ (بتولّي) بلقيس (فأفلح) قومُها، وثانيها أنّ ابنةَ كسرى لم يُولّوها أمرَهم (حقيقةً)، بل الوَرثةُ والأمَراء هم (المتولّون) حقيقةً، طمسوا اختلافاتهم بها، ونصّبوها (كمظهرٍ) ودُميةٍ، كبعض مجالسنا التشريعية الديكوريّة، وتمكينات المرأة دعائياً ببلداننا، (بحسب إشارة تقرير التنمية الإنسانيّة)، فحاشا أن تكون كلمةُ النبي(ص) كاذبةَ الخبر ومن جهتيْن، المُلفت أنّ الراوي أوشكَ الالتحاق بعائشة ليُقاتل أمير المؤمنين عليّاً لولا تذكّره استنقاص النبي(ص) للمرأة! هذا التسويق للاستبداد الأمويّ المتدعّم بثلاثيّة (التقوّل على النبيّ)، (دونيّة المرأة) ومنها عائشة، و(مناوئة شرعيّة عليّ)، كفيلٌ بخدش عدالة الراوي!…
قُلنا سابقاً أنّ الحزن والحداد نزعةٌ فطرية وبيولوجية، والدينُ دين فطرة، لا يُلغي التفجّع والإحساس بخيبة الأمل لخسارة فقيد، لكنّه يعنيه استعادة المفجوع استواءه النفسي ونشاطه. وقُلنا أنّ (فقهاء) تشدّدوا فحرّموا خروج المرأة في عدّتها وحدادها، واعتدل آخرون فوسّعوا (مساحةَ الضرورة)، وأجازوا خروجها للعمل والتزاور (للضرورة)! لكنّ التفسير الخطأ لنصوص المسألة ظلّ كما هو، إذْ بدلاً من إعادة فهم الحكم الشرعيّ رقّعوه ووسّعوه (باستخدام الضرورة)! فكيف نحيا واقعنا بطلاقة قبالةَ فكرٍ مخنوقٍ بآراء القدماء؟ كيف نلتمس وعياً يُلهمنا درايةً للنصّ، واستبصاراً للواقع، وتحرّرًا من القوامع؟! بلَغتْهم طائفةُ نصوصٍ (تجيز) خروجاً للمرأة وأخرى (تمنعه)، فأوردوا: (وبشأن الخروج من بيتها، فأكثر الأخبار دلّت على المنع إلاّ لضرورة، وجملةٌ منها دلّ على الجواز مطلقًا)، فعمّموا المانعة واستبعدوا المُبيحة، فضربوا مثالاً لانتفاخ (فقه الرجال) وانبساطه على (فقه الحياة)، وعلى القرآن، وسنّة النبيّ (ص)، وكلام أهل بيته أنفسهم، فأعملوا التضييق والاحتياط وحرجَ الحياة، وكأنّما أخبرهم الرحمن (إنّما يريد الله بكم “العسر”) وليس “اليسر”!! فأزمتهم مع النص أنّهم يستدلّون (بقول المعصوم) دون تحرّي داعي الخطاب ونفسية…
زوجان قرّرا التصييف بنفس الفندق الذي تزوّجا فيه قبل عشرين سنة، سافر الزوج لتلحقه الزوجة بعد يومين، بمجرّد وصوله أرسل لزوجته (إيميلاً)، أخطأ بطباعة عنوانه، لسوء الحظّ ذهبتْ الرسالةُ لأرملةٍ راجعةٍ للتوّ مِن مراسمِ دفن زوجها، قرأتْ الأرملةُ الرسالة فأُغمي عليها، دخل الابنُ فوجد كمبيوتر أمّه مفتوحاً على رسالةٍ تقول: (زوجتي الحبيبة، أخيراً وصلتُ، لعلّك مندهشةٌ لوجود إنترنيت هنا! المكانُ جهنّم (ويقصد حارّ)، أوحشني فراقُك، ولقد جهّزتُ مكانك، أنتظر وصولك بعد يومين)! طُرفةٌ محزنة، لكنّ واقع أراملنا أحزن، وسبحانه لم يظلم المرأة، نحن فعلنا، حينما نحرقها حيّةً مع زوجها الميّت كفعل طوائف الهندوس. يخرج (رأيٌ) فقهيٌّ متشدّدٌ، يُطبّقه ناسٌ في زمنٍ قديم لأنه يُناسب فهمهم وحياتهم، يصير (عادةً) وتستحكم، ثم يكون هو (الشرع)، ثم الويل لمن خالفه. والتشدّد يُمارسه عوامُّ الناس، يتكلّمون بالأحكام وكأنهم خُلفاء الله، يتوعّدون بالويل والنار مخالفهم، ناسين أنّ سبحانه يُحاسب المُحرِّم لكونه مفتريا أشدّ ممّن حلّل، إذ التحريم شأنٌ إلهيّ يعوزه نصٌّ واضح، والأمور حلال بالأصل الطبيعي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ…
النصّ القرآني كعصا ضد المرأة أ.جلال القصاب قسم الدراسات والبحوث جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية 18 مايو 2006م الفهرس 1- مدخل: أزمتنا في تعاملنا مع النصّ القرآني 2- ظلامة المرأة، حربة الهجمة ومؤشّر التخلّف 3- السياق الزمني والطبيعيّ ودوره في ترؤّس الرجال 4- تفضيل الرجل ليُمارس القوامة وضرب الناشز 5- انقلاب المفاهيم القرآنية أعاد إنتاج ظلم النساء 6- توصيات 1- مدخل: أزمتنا في تعاملنا مع النصّ القرآني هل نستطيع أن نجعل (نصّ الله) يقول ما نريد؟ بعض المفكّرين (المؤمن بالله) تجاوز هذا السؤال، لمّا رأى بأنّ أشخاصاً دائماً يفرضون باسمه ما يريدون بدعوى أنّه تفسير لما قاله سبحانه وما يريد، فنفض يديه من مسألة البحث بالمرّة عمّا قاله الله لنا أو أراده ورسمه، وظهرت مقولات حداثيّة بأثر من الفكر الاستشراقيّ تدعو لتجاوز النصّ “تاريخية النصّ” و”لا قدسية النصّ”، وأصبحت رسائل الله إلينا، في عرفهم، إمّا تاريخية بمعنى ماضويّة، أو ظرفية غير مطلقة، أو لا تعنينا، أو أعطانا العقل لنجتهد بلا رسائل ولا أوامر ولا تنصيص من خارجنا! آخرون، ومنهم…
في شوارع مصر العظيمة النابضة بالحياة، بطيبة أهلها، وبتواضع ناسها، ما كدّر نظري إلاّ رجلٌ دفع امرأته بعصبيّة، فأشعرني بما ذهبتُ لمصر لأجله، للمشاركة في ورشة عمل حول (الإسلام والإصلاح) لمركز ابن خلدون، بورقة تجديديّة عن هدر كرامة المرأة، بانقلاب تفسير النصّ القرآني، لنحت مفاهيمه كعصا لضربها وسوْقها إلى بيت طاعة الرجل! لم تأتِ حادثة ضرب المذيعة السعودية (رانيا الباز) المبرّح على يد زوجها في سياقٍ غريب، فإحصائيات اليونيسيف إلى المنظمات المحلية، إلى الأجهزة الرسمية في المحاكم ومراكز الشرطة، تُؤكِّد أنّ العالَم كلّه يُمارس العنف الزوجي، وتختفي بسببه 60 مليون امرأة عن تعداده سنوياً، وأنّ امرأة من بين اثنتين تتعرض لانتهاكات جسدية وجنسية داخل بيتها، بل 40-60% من الزوجات يُضربن في أمريكا وفرنسا، و80% في الهند، وفي إحدى دولنا الناميّة %69 يتعرضن للضرب حالَ رفضهنّ معاشرة الزوج، أو الردّ عليه بلهجة لا تعجبه! فالعنف ليس بحاجة إلى (نصّ) يُشرِّعه، بل عكسُه الذي يحتاج، لهذا نُنكر أنّ الله أمر بالعنف ضدّ المرأة لحيثيّة أنّه (أي العنف الجسدي) متوفّرٌ دائماً بدون حاجة…