إنّ الغاية من التشريع الديني هي ذات الغاية من التشريع الوضعي، ولو أنّنا تناولنا الدين بطريقةٍ طبيعيةٍ كما نتناول شؤوننا الدنيوية، لكان ذلك أيسر لنا وأقرب لفهم الدين، والتعاطي معه بشكل طبيعي، ولطالما أكدنا باستمرار أنّ ديننا دين الفطرة، فهو دين يتعامل مع واقع الحياة، ويستجيب لحاجياتنا الطبيعية، ولا يكلّفنا إلا وفق قابلياتنا، لأنّه يتعامل مع الواقع، فالدين يسلك بنا الطريق المناسب لطبيعتنا
تاج الحرية لا يلبسه إلا من يقطع مسيرةً من التدريب والتعليم واكتساب الخبرة والمعرفة، ومن يقفز بغير تأهيل سواء بمحسوبية أو واسطة ليلبس ذلك التاج، فكأنَّه قفز إلى قاعدة هرم مقلوب متصورًا أنَّه بلغ القمة والغاية فلا يأمن أن ينهار به.
الدين والسياسة توأمان لا حياة لأحدهما من دون الآخر.. والدين أمانة والسياسة تحمّل الأمانة.. والدين حرية والسياسة تطبيق لمقولة هذه الحرية.. والدين تعاليم والسياسة تدابير.. والدين أساس والسياسة بناء على الأساس.
لا يجوز أن تُخيَّر الأمة بين الحرية أو الأمن، بل لابد من تحقيق التوازن بين حقّ التمتّع بممارسة الحرّيات العامّة من قبل جميع أفراد المجتمع، وبين استتباب الأمن والاستقرار بإرساء دعامات يؤسّس عليها هذا التوازن كبسط العدل، والمساواة، واحترام القانون، والعمل على إعادة الثقة بين الشركاء في العملية السياسية.
ينبغي تصحيح النظرة إلى الآخر المختلف فكراً أو مذهباً أو ديناً، فيتم الاعتراف له بحقه في الوجود والمشاركة، بل والتعاطي الايجابي معه في الشأن الوطني المشترك دون تهميش أو إقصاء بسبب الاختلاف في الرأي أو المذهب أو الدين، فسفينة الوطن ينبغي أن تسع الجميع ويجب المحافظة عليها من قبل الجميع.
قبل ثلاثين سنة أوّل ما مسّ مقعدُه مقعدَ الحكم، قال: لن أرحم أحدًا يمدّ يدَه إلى المال العام حتى لو كان أقرب الأقرباء، فإنّي لا أحبّ المناصب، ولا أقبل الشلليّة، وأكره الظلم، ولا أقبل أن يُظلم أحد، وأكره استغلال علاقات النسب.. وأتبع بمناسبةٍ أخرى الكلّ سواءٌ عندي أمام القانون، ونحن لا نريد قانون الطوارئ، ولتدعيم صدقه أعاد وكرّر: سأعاقب لصوص المال العام.. مؤكّداً أنّ مصر ليست ضيعةً لحاكمها.. أليس كلّهم هكذا يقولون، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ إنّ جميع ما فعله اللاّمبارك نقيض قولِه تماماً، بل كأنّه حدّد بقوله ما ينبغي عليه فعله، فمصر التي لن تكون ضيعةً لحاكمها استحالت بأرضها وجوّها وسواحلها عزبةً له ولأبنائه وشلّته مِن لصوص المال العام، دونما داعٍ لأن يشتري أرضاً ضخمة تُقدّر بالملايين بقيمة جنيهٍ أو بدينار، ومع أنَّه يكره الظلم ولا يقبله لواحد، فقد قبله للجميع فظلمهم وسحقهم، ولأنّ الكلّ عنده أمام القانون سواء، فقد ساواهم بقانون البطش والحرمان من الحقوق والحرّيات والقرار، ولأنّه لا يريد قانون الطوارئ فقد تركه لثلاثين سنة، هي…
الحقيقة الكبرى التي لا مفرّ من الاعتراف بها أن ثمّة شيئاً في ثنايا روح كل إنسان يصرخ من أجل الحرية، وينزع نحوها، ويتوق إليها، ومستعدّ أن يدفع ماله ودمه ونفسه فداء لها، فإما أن ينالها أو أن ينفجر يوماً بشكل ما في وجه سجّان حرّيته، وإن طال زمان قمعه.. الحرية هبة إلهية وحقّ طبيعي يحتاجها الغني والفقير، الكبير والصغير، العالم والجاهل، الحاكم والمحكوم، الأبيض والأسود، والكل يعرف ذلك اليوم ولا ينكره إلاّ غافل أو أحمق، فأما الغافل فعِبَرُ الحاضر ودروس التاريخ كفيلة بإيقاظه.. والعاقل من اتّعظ بغيره، أما الأحمق فلا دواء له سوى أن يتجرّع سُمّ حماقاته ليموت حتف أنفه طريداً، ذليلاً، منبوذاً، حتى من أقرب حلفائه الذين باع كرامة وطنه وشرفه لإرضائهم، فما ناله منهم إلاّ الخذلان والتبرّؤ منه. مصر حرّة.. وعجباً أن ليست مصر وحدها تستنشق اليوم عبق الحرية، بل العالم العربي والإسلامي والإنساني الحرّ كلّه استشعر أثر هذه الحرية وفرح بها، ففرح الفقراء، والمثقفون، والإعلاميّون، والفنّانون، والأغلبية الصامتة في مصر وادي النيل.. وتداعى هذا الفرح لكل تلك…
يعتاد البعض من المقتدرين ماديا وممن تتهيأ لهم الظروف بتكرار الحج والعمرة اعتبار تصفير حسابه كلما انتهى حجّه، فيعتقد أو يظن ويرجو أنّ ما يرتكب من الذنوب والعيوب والنقائص ستمتحي هي وكلّ آثارها بالحجّ وإن تكرر طيلة عمره، فيرجع من الحجّ ولا ذنبله كيوم ولدته أمه. وآخرون يتعمدون إشباع رغباتهم والانسياق مع غرائزهم دون حدود، حتى إذا ضعف البدن واحدودب الظهر نوى الحج أملا في غسل الخطايا وإصلاح الدرن. هذا هو السقف الأعلى وحسب عند هؤلاء من أجر الحجّ والعمرة. إنّ الحجّ موسم من مواسم الحصاد المباركة، له سقوف بحسب حالات الأشخاص ودرجات وعيهم، وبحسب الإرادة والهمّة والعزيمة في تزكية أعمالهم، إن كانوا متقربين بها إلى الله ومستعينين به؛ فإنّ الثمر يانع والحصاد وفير. وقد حدّد القرآن ثلاث دواع قادرة على دفع الحاجّ في جميع مناسك الحج وأعماله من أجل الانتصار على مثلث الطغيان، المضاد للوعي الإنساني، إذ قال تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة /197)، وأول أضلاع المثلث هو الانسياق وراء النزعة الجنسية الضاغطة على…
منذ أن وضع القانون على يد رجاله ابتداء من الأنبياء وانتهاء برجال الفقه والقانون الحديث، وغرضهم الأول والأخير هو حماية المجتمع من الفوضى، عن طريق تنظيم العلاقات بين أفراده ومؤسساته، بما يحفظ لكل طرف حقه ويحمي كلّ طرف من الاعتداء عليه، ولهذا الغرض اعتبروا أنّ وجوب خضوع الجميع تحت مظلته أمرا مفروغا منه، واعتبروا كلّ خروج عن تساوي الناس أمامه ضربا من الفساد. ولكن متى ينجح القانون في تحقيق هذا الهدف؟ أم أنّ كلّ قانون تتوفّر له السلطة التي تفرضه فهو كافٍ لتحقيق التماسك الاجتماعي؟ ليكون القانون فاعلا في حماية المجتمع فإنه لابد وأن يكون صورة حقيقية عن ذلك المجتمع، وإلا فإنّه لن يكون إلا أداة استبداد يتحيّن بها الناس الفرص، يخالفونها بمجرد غياب الرقيب وأمن العقوبة، ومع أنّ القانون إنّما جعل لمعاقبة المخالفين الخارجين عليه ولكن قوة إلزامه الحقيقية لا تكمن في وجود السلطة بل في وجود الاحترام العام من المجتمع لهذه القوانين، بحيث يعدّ في عرفهم أنّ الخارج عنها قد ارتكب فعلا قبيحا يستحقّ العقوبة، وأنّهم إنّما يتركون…
أطلق الفقه على الارتباط الشرعي بين الرجل والمرأة عقدًا، وذلك لما عرّف العقود بأنَّها اتفاق بين طرفين كالبيع، تمييزًا لها عن الإيقاعات التي يجريها طرف واحد فقط كالهبة، ولكنَّ هذه الشكلية القانونية خالفت تسمية القرآن حيث سماه ميثاقا ونعته بالغليظ: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)(النساء:21)، وهذا النعت يبين ضرورة الوفاء به، إذ المواثيق في القرآن عهود عظيمة الحرمة، فهناك ميثاقان نعتهما الله بالغلظة، ميثاقه مع بني إسرائيل في قوله سبحانه: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء: 154)، فلمّا خالفوا الميثاق الغليظ مسخهم قردة وخنازير، والثانية في ميثاقه مع الأنبياء عليهم السلام: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (الأحزاب: 7)، وليس ثمة من هو أوفى بالميثاق منهم عليهم السلام. ولبيان الفرق بين العقد والميثاق في القرآن من حيث الأهمية فلا نجد في القرآن آية تتحدث عن العقود على نحو قانوني مباشر إلا آية منفردة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ…