مؤتمر الوحدة الإسلامية …
وديعة محمد (ص)
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمّة التي كانت خير أمّة أخرجت للبشرية ترشدهم طريق الخلاص، تتجرّع اليوم جراح التكالب عليها وآلام تردّيها، مُنِيَتْ مؤخّراً بصدعٍ جديد هو الأخطر على وجودها، مجترحةً فعلاً شائناً من أسوأ ما حذّر نبيُّها (ص): (لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضُكم رقاب بعض)، فعوضاً عن الاندفاع باتّجاه النهوض وقيادة العالم نحو عالمية الإسلام وقيَمه الرحبة التي تتّسع للآخر مهما اختلف، انشغل الكثيرٌ من مثقّفي الأمّة وعلمائها، ومن ورائهم جمعٌ غفير من أبنائها، انشغلوا ببعضهم البعض مكّفرين ومفسّقين ومتقاتلين.
وها قد رأينا بأم أعيننا ما آل إليه حال الأمة في دينها ودنياها، وكيف ملأ علماء التعصب والفرقة والتكفير حدائقها شوكا، ومزقوها إربا، فجعلوا كل ثغورها ثغرات، مستباحة للقاصي والداني من أعداؤها، ومن طلاب المصالح الضيقة ولو على حساب شرف هذه الأمة ووحدتها في حاضرها ومستقبلها. وإن العلماء والمفكّرين الشرفاء هم ورثة الأنبياء، يحملون هديهم، ويبلغون كلمتهم، وينطقون في الناس بالحق لا يخافون لومة لائم، يحملون لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي قد اصطبغ اليوم زورا بدماء الأبرياء، واستخدم ضلالا في انتهاك الحرمات، ولم يكن ذلك ما أراده الله منه، فما المعروف إلا ما وحّد الناس على خير وبر، وما المنكر إلا ما فرقهم طوائف في البغي والشر، والعلماء هم المدخرون للصدح بكلمة الحق، المؤلفة للقلوب، ومقارعة كلمة الباطل المفرقة، وإن لبست ما يلبس على الناس دينهم. لقد أودع فينا رسول الله ( ص ) وصيته الأخيرة، بأن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، ونهانا أن نعود من بعده كفارا يضرب بعضنا رقاب بعض، فجعل تفرقنا من عناوين الكفر بنعمة الوحدة والتوحيد، وهانحن لا نضرب إلا رقابنا، ولا ننتهك إلا أعراضنا، ولا نسلب إلا أموالنا، وكل هذا جرى ويجري باسم الدين، وعلى ألسنة بعض من رجاله المذهبيين المتعصبين، قبل أن يجري على يد من يظنون أنفسهم عن الدين يدافعون وفي سبيل الله يجاهدون. إن الأزمة التي نعيشها هي أزمة فكر وعقيدة قبل أن تكون أزمة سياسة، فلقد بذر الأوّلون بذورا كان منها ما هو للخير وكان منها – وللأسف – ما هو للشر أيضاً؛ فهذه ثمارها. وإنا لمدعوون لبذر بذور للخير، عسى أن تكون أشجارا طيبة أصلها ثابت في الدين وفرعها في السماء، تأتي أكلها في وحدة المسلمين كل حين بإذن ربها. فالمخلصون من العلماء وأرباب الفكر وحملة هم الوحدة قادرون على إيصال البذور الطيبة لكل أرض طيبة، من المجالس والمدارس والمؤسسات في شرق عالمنا الإسلامي وغربه، فإذا هي نور يهتدي به الناس. ان العلماء والمفكرون والدعاة أصدق من علق عليه الرسول (ص) أمانة التبليغ من بعده، فبهديهم يهتدي الناس، وهم مدعوون لقول كلمة الحق أمام سلطان التفرقة الجائر، فلقد أقام أهل الفرق موازين الحساب قبل يوم الحساب، ونصبوا أنفسهم أربابا من دون الله، وجعلوا المسلمين هذا مؤمن وهذا كافر، وأججوا نيران الأحقاد، وسمموا العقول بفاسد مفرقات الأفكار، حتى صار أهل الإسلام فرقا ومذاهب وطوائف، كل لا يرى الدين إلا مذهبه وفرقته، لا يعذر بعضهم بعضا، ولا يحفظ بعضهم حرمات بعض، فشملت البلوى، وعمت الرزية، وبات حقا على العالم أن يظهر علمه، فيتعاونوا على هذا البر والتقوى، لعل الله سبحانه أن يبارك عملهم فينميه، ويتناوله بيمينه فيزجيه سحابا، ثم يؤلف بينه، ثم يجعله ركاما يخرج الودق من خلاله، يصيب به من يشاء من عباده، فيحي به الأرض بعد موتها.
ويسعى المؤتمر إلى وضع حجر الأساس لبناء ثقافي أكثر متانة لأجيالنا القادمة، ولوضع مصّداً في وجه دعاة الفرقة ومروّجيها، ويهدف إلى:
مؤتمر الوحدة الإسلامية وديعة محمد (ص) ليس شكلاً آخر من أشكال مؤتمرات التقريب بين المذاهب، ولا مؤتمراً فقهيّاً لمناقشة الإختلافات الفقهية، ولا منبراً للترويج لفكرٍ دون آخر ولا ثقافة دون أخرى، بل محاولة جادة للوقوف على الصراط المستقيم في الفكر والنفس والسلوك والأخلاق، بحثاً عن سفينة نجاة لأمّتنا بكلّ ركّابها (قاطبةً وبلا استثناء)، تحملهم بمحبّة وتعاونٍ ووئام لشاطئ الوحدة. وسيناقش المؤتمر الوحدة (الشعوريّة)، ومركزيتها كقيمة ثابتة وضروريّة، وأصالتها في عقيدة الأمّة، وذلك عبر المحاور التالية: