“وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً” [مريم : 31]
جاءت هذه المقولة على لسان روح الله عيسى عليه السلام وهو في المهد أي في بداية مسيرة حياته، وهي في الواقع ليست مجرد تبيان لحقيقةٍ مرتبطة بالنبي عيسى عليه السلام؛ إنما هي شعار رائع ومبدأ عظيم لتمثلِهِ والعمل بموجباته (اجعلني مباركاً أينما كنت)! والبركة هي الخير الوفير والنماء.. والإنسان المبارك هو الذي يلقي البركة وينشر الخير وفيرا متصلا متتالياً أينما حل وحيثما كان.. وقد كانت بركة عيسى ومحمد وجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم متنزلة على أقوامهم ومتنامية دون أن يكون خيرهم منتهياً أو منقطعا برحيلهم عن عالمنا.. إنما ممتد باقٍ إلى يومنا هذا! فهل كانت بركتهم منحة إلهية دون أن يصاحبها إرادة ذاتية والتزام أخلاقي عميق؟ بالتأكيد فإنّ هؤلاء الصفوة ترجموا المنحة إلى عهد وميثاق، وإلى برنامج عمل طموح، ثم سلّطوا عليه ما يملكون من دوافع وموانع، فانتظموا في تنفيذه، فأدركوا أن البركة باب عروج يدرك أوله ولا يعرف آخره ..
أما نحن، فلقد أعطينا المنحة كذلك، لكن إن فهم الفرد منا معنى البركة في تلك المنحة وتوجّه لربه صادقاً أن (رب اجعلني مباركاً أينما كنت)، فإنه صار لزاما عليه أن يفتش عن مواطن الخير في نفسه وفيما حوله وفيمن حوله، فيستخرجها ويدل الناس إليها.. وأن يفكر: كيف أكون مباركاً في نفسي وأوقاتي، وكيف ينبغي أن أترجم البركة في بيتي وبين أهلي وصحبي؟ كيف أستخرج خيرهم وجميلَهم دائما؟ كيف يكون كلامي مباركاً كشجرةٍ طيبة .. تؤتي أكلها كل حين! وكيف أكون كذلك في حركاتي وسكناتي وبداياتي ونواياي وأعمالي.. كيف بوسعي أن أنمّي الخير وأدعو للمعروف وسط معارفي وفي محل عملي؟ وكيف أطرح التنمية والتطوير في مجتمعي؟
إن فعل أحدنا ذلك، فمن الممكن أن يكون فردا مباركا نامياً أينما حلّ لا منقطعا أو مبتورا، يظل كلامه وفعله وتأثيره حاضرا، وتبقى ذكراه طيبة عالية .. فالله يبارك كل ما هو موصول بالخير ومنعقد بالإخلاص فيزيده نماءً ويشعّه نوراً ويحيطه بركة! ونحن في رحاب شهر الله الكريم وأيامه المباركة وساعاته الميمونة .. لنسأل أنفسنا هل إلى ذلك من سبيل .. فنرقى؟!!