الحلقة السابعة: أضلال اعتقادات أم أزمة علاقات؟

أزمة علاقات
  • سيجدون أنفسهم غداً بين يدي الله قد حشروا في الأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وسيوقفون للسؤال عما تسببوا فيه من تمزيق أمة محمد(ص)، وما أسدوه للطامعين فيها من حكامها الجائرين وأعدائها الغاصبين من خدمة جليلة. علموا أنهم يفعلون ذلك أم لم يعلموا.

  • إن الجدل المذهبي يمارس على عقول الناس تضليلا يعميها عن الأكثر المشترك، ويضخم في عينها القليل المختلف، حتى لتعود مواضع الاختلاف تستحوذ على الدين كله، لتكون هي الدين

  • إن أكثر أيام الأمة ضياعا هي التي نضخم فيها وهج المذهبية على حساب شمس القيم والمبادئ،

فحيث تفترق الأمة تفقد عالميتها وتضل عن رسالتها، وتتغيب عن إنسانيتها.

الحديث عن الطائفية الدينية ليس حديثا عن مجهول أو مفقود بل موجود وبقوة، ولن يختفي طالما قبلنا أن يكون الوصفة السحرية لشرذمة من الطامعين لتحقيق مآربهم ومصالحهم السياسية، باسم الدين تارة وبالسم الطائفة تارة أخرى، عجزت عن تحقيقها بالعدل والإنصاف، والنصيحة والاحترام والمحبة والسلام.

هذا أمر إن لم ينتبه له المتعشقون للحديث الطائفي، المنفقون سواد أيامهم فيه، قولاً مشفوهاً ومحبراً، في صحائف الكتب وصفحات المواقع ، فإنهم سيجدون أنفسهم غداً بين يدي الله قد حشروا في الأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وسيوقفون للسؤال عما تسببوا فيه من تمزيق أمة محمد(ص)، وما أسدوه للطامعين فيها من حكامها الجائرين وأعدائها الغاصبين من خدمة جليلة.

إن الأزمة الأم بين أتباع المذاهب والطوائف الدينية خاصة في الإسلام، هي أزمة علاقات لا أزمة ضلالات. فإنك لو فتشت في صفحات كتب كل فريق، لوجدت فيها ما يقترب أو يبرر أو يجوز شيئاً مما ينكره على الفريق الآخر، ولكنه في مذهب هنا مُبرز مُفعّل معمول به، وهناك من المتواري المتروك، لكنه مذكور.

إن المسلمين لم يختلفوا في شيء من أمهات العقائد التي قام عليها الإسلام أصولاً ولا فروعاً. فهم جميعاً موحدون يؤمنون بالله وحده ، وبالنبي محمد (ص) نبياً خاتماً ، وبالقرآن الكريم كتاباً محفوظاً. وبسائر الكتب المنزلة، وبجميع النبيين، وبالملائكة واليوم الآخر، والجنة والنار، وفي أركان الدين يؤمنون بالصلاة المكتوبة ، تؤدى نحو الكعبة. وبوجوب صيام شهر رمضان، وحج البيت والعمرة، وبالزكاة والصدقة والخمس، ولو تواجد مسلم شيعي وآخر سني وآخر زيدي وآخر إباضي في وسط مجتمع كافر أو كتابي لاكتشفوا كم هم متشابهون، ولكنهم عند ما يعودون لديارهم ويتحيزون لفئاتهم، ينسون كل هذه الأمور الجليلة الجامعة، ليعودوا في تعظيم وتضخيم نقاط الاختلاف بينهم، وكأنهم أبناء ملل ونحل لا ملة واحدة.

إن أول ما اختلف فيه المسلمون؛ وهو المبدأ الأم للاختلافات بينهم هي الإمامة، وهي شأن سياسي اجتماعي، سار فيه عليٌ عليه السلام بسيرة، وسار فيها صحابة آخرون رضي الله عنهم بسيرة، ومع أنه ظل يطالب بحقه الذي يراه لنفسه على هذه الأمة، إلاّ أنه لم يشق لها عصاً ولا صفاً، وكان متعاوناً مع من اختلف معهم في نفس حقه (أبي بكر وعمر)، وقد عبر عن ذلك بواضح العبارة فقال لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لأسلّمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه“. فأين المدعون أنهم عن حق عليّ يدافعون، وبه يطالبون؟ كيف يفضلون ما يمزق الأمة على ما يوحدها ؟ أو ليس عليٌ (ع) يقولها صراحة أن في الصبر على ضياع الحق الشخصي، مع بقاء أمور المسلمين سالمة؛ فضلاً وأجراً أعظم؟ فهلا استن الشيعة المذهبيون بسنة إمامهم فانشغلوا عن أمر الخلافة الذي مات، بسلامة أمور المسلمين التي كانت ولا زالت أولى بالرعاية عند أمير المؤمنين؟

وهلا توقف السنة المذهبيون استناناً بسنة علي (ع)؛ وهم لا ينكرونه، فتركوا التنازع الأجوف واشتغلوا بسلامة أمور المسلمين التي هي اليوم أبعد ما تكون عن السلامة؟

إننا اليوم وقد ابتلينا بالمذهبيّة والطائفية لأحوج ما نكون إلى انتهاج منهج سليم في العلاقات، فإنا وجدنا أن جوهر المشكلة هو أخطاء في العلاقات ليست من الدين في شيء، ولو تبدل هذا النهج الخاطئ بنهج سليم موافق للدين والأخلاق، لما كان للمذاهب والطوائف ذلك الضرر.

لقد أسس الدين الحنيف منهجاً سليماً للتعامل مع الآخر المختلف، ألا وهو:

  • الجدال بالتي هي أحسن،

  • مع الامتناع عن السب،

  • وعدم ادعاء امتلاك كل الحق والحقيقة قبل ثبوتها عند الطرفين المتجادلين،

  • وعدم الدخول في الجدل الجماعي الجماهيري لأنه أبعد ما يكون عن التفكر المنطقي،

  • ثم عدم اعتبار النتيجة ( نتيجة الجدل) ميزاناً للمعاملة في الدنيا لأن الحكم الأخير في مثل هذه الأمور مؤجل للآخرة حيث يحكم فيها الله سبحانه بين عباده.

هذه موازين خمس مدونة في القرآن الكريم بوضوح:

الأول: في قوله تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

الثانية: في قوله تعالى (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، فالسباب قفل للقلوب عن سماع الحق مهما كان جليّاً وهو أقصر طريق لإحضار شح النفس.

الثالثة: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، فالدخول في الجدل ينبغي أن يكون قائماً على افتراض أن الحق يمكن أن يكون عند أحد الطرفين دون الآخر، كما يمكن أن يكون بعيداً عن كلا الطرفين، كما يمكن أيضاً أن يكون متجزئا عندهما كما هو غالب الأحوال.

الرابعة: ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ)، فالجدال الجماهيري هو أخذ للنفس بعزة الإثم، عند الغالب والمغلوب، بل إن تصور الغلبة في الجدال يبعده أشواطاً عن الله والهدى، ويجعله مجرد مباراة في ساحة الشيطان.

الخامسة: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) ،( اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ، فمهما كان الاختلاف بين الناس فإن هذا لا يسقط كرامتهم وحقوقهم، أناس قد أكرمهم الله، ولهم الحق في كامل الفرصة الدنيوية أن يُعمّروا ما يتذكر فيه من تذكر، ثم حسابهم على الله، أما في الدنيا فالناس سواسية أمام القانون، مؤمنهم وكافرهم سنيهم وشيعيهم، هكذا وإلاّ فهي الفتنة والفساد والكبير.

إن المتتبع للمجادلات المذهبية عندنا يتضح له مدى مخالفتها لمنهاج الجدال القرآني، فهو حرام من أوله إلى آخره، وفيه ما فيه من مخالفات لكل قواعد منهاج الجدل التي رسمها الله في كتابه من جحود حق الآخر، وسبه وقذفه وحربه وتكفيره، ومن الجمهرة والتحزب، ومن التمسك الأزلي من كل فريق بأن الحق كله عنده أولاً وأخيراً

إن أصحاب هذا الجدل مشكوك في ولائهم وانتمائهم وحميتهم للإسلام، فإن أمثال هذه العبارات الدينية المذهبيّة أو الطائفية لا يراد منها إلاّ جرُّ الأمة للغواية وهي لا تؤدي أبدا لتسليم أي منهم ببعض الحق الذي عند الآخر، مهما كان ذلك بينا.

لو كانت هناك غيرة عندهم على الدين، وكانت حميتهم إليه، وغيرتهم عليه لا على رجالهم ومذاهبهم وأنفسهم، لكان جديراً بهم أن يتعاضدوا جميعاً في مشروع لمحاكمة الروايات غير اللائقة بالنبي (ص) والدين، ولكنهم جميعاً أبعد ما يكونون عن ذلك، فما هي إلاّ العصبيّة وحمية النفس.

لقد ترسخت أسس مذهبيّة ظالمة للآخر عند كل فريق، فانظر كيف يورطون أنفسهم في اتهامات جاهلية لأعراض المسلمين، مع كونها حراماً عليهم بحسب الدين وبحسب وصية سيد المرسلين. من مثل اتهام الآخر باستباحة الفواحش والكبائر كأن القرآن الكريم ليس كتابهم ، فكلهم يقول في الآخر ما لا يرضاه الله ورسوله حينما صرخا فينا أن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.

إذا كان لابد من الجدال المذهبي الذي لا فائدة ترجى منه فليكن مصحوبا بأدب الحوار وخلق الإعذار، فما الذي يمنع الناس أن تقول التي هي أحسن دفعا لنزغ الشيطان.

تُرى ما الذي يحبس ألسنة المسلمين عن أن يقولوا التي هي أحسن، ألم يأمرهم الله بذلك حين قال ( قُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الإسراء:53) فأين هم من تحذير الرحمن لهم عن نزغ الشيطان، ثم يقولون أنهم يريدون بذلك وجه الله، وما سواه صفعوا، وخدمة دين الله وما سوى أعدائهم خدموا، قد أعمتهم العصبيّة عن التبصر فيما فيه صالح أمتهم.

والداهية الداهية هي أن كتب التراث المذهبي قد قعّدت لمثل هذا الجدال الآثم، وجعلته من أعظم المثوبات، وعن مثله ينطلق رجل الدين الشيعي والسني وهما يحسبان أنهما يحسنان صنعا، ولسنا نراه إلا سعيا ضالا، ولا ثمرة له إلا الخسران .فمن ذلك ما رواه صاحب كتاب الاحتجاج الشيخ الطبرسي في ج1 ص 14 – 15 أحاديث لا نراها إلا مكذوبة على أهل البيت يستحث فيها الشيعة على الخصومة مع مخالفيهم من المسلمين، وعلامات الوضع فيها جلية، فلسانها لسان العوام، وأشخاصها بلا تشخيص( جار، صاحب، رجل، فلان، قوم…)، كما يقولون إذا أردت الكذب فاكذب على غائب أو ميت، وقد عرف علم الحديث أمثال هؤلاء وسماهم المحتسبين الذين يضعون الحديث في خدمة الدين بحسب نظرهم ، ولسانها أبعد ما يكون عن لسان الأئمة والعلماء فهو بلا أدب، فتجد فيها ألفاظا بذيئة من مثل ( يا دافع الكلاب).

هذه الروايات قد وضعها عشاق الجدل المذهبي على ألسنة أهل البيت ليشرعوا لأنفسهم الدخول في الجدل الباطل الممزق المفرق، بل وضعها أعداء أهل البيت ليقبحوا صورتهم عند سائر المسلمين، كما صرح بذلك الامام الرضا في أحد مقالاته..

والأمر الخطير هنا، أن الرواية عموما هي أشد أثرا في تكوين الوعي، وصياغة توجهات الرأي العام، من آيات الذكر الحكيم، حيث تستخدم الروايات في توجيه العقل وصياغة التوجهات الدائمة، وهنا تكمن خطورتها:

  • فهي تجعل الجدل لأجل كسر الخصوم هدفا مقدسا،

  • وله من الثواب ما لا يحصيه إلا الله،

  • والبارع فيه هو مع النبيين والصالحين من أهل السموات والأرضين،

  • مع تسليح المجادل بإجازة السب واللعن والكسر والفلّ.

فهل تنتظر أن تنجلي المعركة إلا عن النار والدمار.

إن عشاق الجدل قد دسوا أمثال هذه الروايات ليجعلوا عملهم عملا مندوبا وواجبا يثاب عليه جزيلا، وتفرح به ملائكة السماء، وما هو إلا خناجر تمزق جسد الأمة وتقطّع أوصال المشروع النبوي تقطيعا،إنه جدال عقيم حقود، لا ولاء فيه للإسلام، ولا حمية فيه للدين، ولا يثمر أبدا عن اتفاق على حق، ولو كان الحق كالشمس الطالعة.

إن الجدال الحق هو الذي يسلم للحق إذا تبين مهما كانت جهته ومقتضاه، أما إذا كان الاختيار لمذهب دون آخر على أنه هو الحق، فمتى ما حدث ذلك كان التنكر للآخر بأنه لا حق فيه، فوقعنا فيما حذرنا منه القرآن من متابعة أقوال اليهود والنصارى في بعضهم أن ليس الآخر على شيء مع تلاوتهم لنفس الكتاب، وقد وبخ الله القائلين مثل قولهم بأنهم لا يعلمون، وما ترانا نقول إلا نفس مقالتهم وننهج إلا منهجهم، وكأننا لم نحذر ولم ننذر (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة:113)

إن الجدل المذهبي يمارس على عقول الناس تضليلا يعميها عن الأكثر المشترك، ويضخم في عينها القليل المختلف، حتى لتعود مواضع الاختلاف تستحوذ على الدين كله، لتكون هي الدين، فلا ترى أعين الناس سواها، تماما كم لو كان عندك بالون فعقدته في موضع لتمنع الهواء عما وراءه، ثم نفخت فيما قبل العقدة فضخمتها وعظمتها، فالناظر لا يرى البالون إلا ما نفخ، حتى لو كان ما بعد العقدة أعظمه.

فالعقل المضلَل يعمى عن رؤية أن المختلف يصلي، وهو جوهر الأمر، ليبصر أنه يُسبل أو يتكتف؟ يجمع أو يفرق؟ يجهر أو يخفت؟ ويعمى عن حقيقة الصوم في الصيام، ليبصر أنه يفطر مع غياب القرص أم بعد غياب الحمرة المشرقية؟ ويعمى عن حقيقة الوضوء ليبصر أغسلتان ومسحتان، أم ثلاث غسلات ومسحة؟! مع أن منهاج الدين صريح في احترام كل صلاة يتعبد بها العبد لله، وأنها تحت الحفظ الرباني بالتدافع الإنساني ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً )(الحج: من الآية40).

إن الاستفزاز المذهبي الذي يسيطر على عقول وقلوب المذهبيين ما هو إلا رعونة أخلاقية، وليس كفاءة علمية، ولن تلبث أن تجد أحدهم مهما تصنع العلمية أن ينقلب نحو الفظاظة والسباب واللعن والتكفير، وستجدهم يلجؤون للكذب والبهت والإعراض والاستهزاء كلما دعت الحاجة بل ابتداءً، فهم أبعد ما يكونون عن سمت النبوة وهدي القرآن.

إن التبجح الطائفي والتخبط المذهبي الذي يملأ الميادين، قد فتح للشيطان ثغرات لا تحصى، وقد حظي فينا بامتيازات خاصة، فهو يقلبنا كيف يشاء، إن شاء أوقد وإن شاء أخمد، لا لشياطين الجن فحسب بل هم اليوم أقل ضررا من شياطين الإنس، الذين يوقدون وينفخون يبتغون بنا الفتنة وفينا سماعون لهم، فلا غرو فهذه وسائل إعلامهم تفتأ تذكر شيعية المقتول وسنية القاتل ، وسنية المهجَّر وشيعية المهجِّر، وتستقبل خوار المذاهب وتسميه حوارا، سبحان الله فجأة تمخض جملهم عن كل هذا ثم يقولون أن نظرية المؤامرة أوهام!

إن السقوط في الحبائل الطائفية والمذهبية سقوط في مرمى الأهداف الخاطئة، فما جعل الله الفرقة هدفا محمودا حتى يرتضيه لأمة أرادها خير أمة أخرجت للناس، فأين هي الأمة إذا تمزقت مذاهب وطوائف عن أهدافها الحقة التي كلفت بها؟ لقد صدع القرآن فينا بالتحذير منها فقال: ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:105)

إن أكثر أيام الأمة ضياعا هي التي نضخم فيها وهج المذهبية على حساب شمس القيم والمبادئ، فحيث تفترق الأمة تفقد عالميتها وتضل عن رسالتها، وتتغيب عن إنسانيتها، فما الذي يفهمه العالم من أمة تتكافر إلا أنها كلها في ضلال مبين؟ وأن ادعاءاتها مهما كانت فهي كاذبة في التمسك بها؟ العالم اليوم والأمس يبحث عن القيم العليا والمبادئ الجامعة للناس كل الناس، ونحن لا نقدم إلا الدم والجرم، والرفض والعزلة، فلا شك أن تبور بضاعتنا في سوق الأفكار.

إن الأهداف الربانية من هذه الأمة حينما شرفها بآخر نسخة من دينه الإسلام، لا تتحقق إلا بوحدتها على عموم مبادئها، والحمد لله أن الأمة لا تختلف في هذه المبادئ، وليس عليها سوى ترتيبها في سلم أولوياتها، فتجعل صغائر اختلافاتها في موضعها الحقيقي من الأهمية، وتتمسك بمقاصدها الكبرى النبيلة، ولكن عقل الأمة اليوم يبعد أشواطا عن ذلك بسبب الانقلاب على القيم الحقيقية واستبدالها بقضايا هي في الحق لا تستحق أن نمزق الأمة من أجلها، فهي لن تدخل جنة ولن تعصم من نار، فالجنة لكل عبد مؤمن قد عمل الصالحات وليكن مذهبه مايكون.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.