يعمل موظف بإخلاص وإبداع ويأخذ نتيجة عمله مديرُه الذي يُبرز تلك النتيجة على أنها أفكاره وتدابيره، ويودّ شخصٌ أن يشعر بالتميٌّز، فيتكلّم بإسهابٍ عن ممتلكات وانجازات لا يمتّ إليها بصلة، وآخر يريد أن يكون أفضل ممّن معه، فيتكلم كذباً وافتراءاً عنهم حتى يسقطهم من أعين الآخرين ليصبح أعلى منهم، ويودّ شخص أن يشعر بالأهمية في بيته فيتجبّر ويتسلّط ويسيطر، وآخر يريد أن يحقّق نجاحا، فيركب مركباً لا يهمّه من يدهس في طريقه، وشخص يريد أن يجذب إليه قلوب الناس ومحبتهم واهتمامهم، فيتملّق ويقول كلمات رنانة ولكنها لا تعني في قلبه شيئاً، وآخر يريد أن يشعر بالفرح، فيسخر من الآخرين ليضحك هو ورفاقه وهلةً من الزمن!
فمن يقوم بهذه الأعمال ليس بالضرورة أن يكون إنساناً شريراً، ولكنه الطريق القصير الذي يودّ الكثيرون من الناس أن يسلكوه ليصلوا إلى الراحة والسعادة والفرح والانشراح، فالغاية الغالبة عادة ما تكون الرضا الشخصي عن النفس وعن الحياة وليس إيذاء الآخرين، ولكن قد يبيح الإنسان لنفسه ذلك في سبيل الوصول إلى مبتغاه.
وإذا تأمّلنا حياتنا وحياة الآخرين حين ممارسة هذه الأمور، لوجدنا أنّ من النادر أن يتجاوز شعور الرضا عن النفس والراحة والفرح الشعور الوقتي والسطحي، وهو لا يوصل بالتأكيد في أي حال من الأحوال إلى السعادة ولا الانشراح ولا الرضا عن الذات، ذلك لأنّ هذه مشاعر متأصلة تراكمية لا تتعلق كثيراً بالأحداث اليومية وما يفرحنا منها أو يحزننا، بل بنظرتنا لأنفسنا وللحياة ولقيمتنا ولإنسانيتنا. فقد نرى أشخاصاً في خضم مشاكل يومية ونقص في المال والوجاهة الاجتماعية وهم راضون يضحكون من أعماق قلوبهم سعداء في حياتهم، ومن جانب آخر، هناك الكثير ممّن لديهم كل مقومات النجاح ولكنهم يشعرون بالبؤس والرغبة في إنهاء حياتهم.
ذلك لأننا نبحث عن شيء جميل وراق ولكن في المكان والطريقة الخاطئين، ونربط أموراً ببعض وننتظر منها نتائج لا علاقة لها بها، فالكذب لا تربطه أي صلة بالفرح ولا الغش بالرضا ولا التزوير بالسعادة ولا التملق بالانشراح ولا أيّ عمل دنئ بأي شعور راق، فالاعتقاد بأنّ القبيح ينتج جميلاً هو وهْمٌ شائع بقدر سذاجته وبعده عن أبسط قوانين المنطق، إذ كل شيء يرتبط بما له معه تشابه وتجانس، ووحدها القيم الإنسانية الراقية المحفورة في فطرة كل إنسان، وثبتتها جميع الأديان السماوية، كالصدق والأمانة واحترام الآخرين هي التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمشاعر الجميلة والراقية التي يبحث عنها الإنسان، ذلك لأنها برمجة فطرتنا وانسانيتنا، ولن نحصل عليها إلا إذا عملنا بما يتناسب معها، ولأننا خلقنا للسعادة والانشراح، فنحن نستحق أن نفكر في كل عمل نقوم به لنتأكد من أنه يتناسب مع تلك القيم الإنسانية الراقية، وأنّه يوصلنا لما نستحق.