تلخيص كتاب (الخَلْقُ الأوَّلُ … كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)

تلخيص كتاب

(الخَلْقُ الأوَّلُ … كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)

 

يعرض الكتاب لكيفية خلق الله سبحانه الخلق فيقول: مرّت الأرض في فترة زمنيّة معينة بظروف حراريّة ومغناطيسيّة وكيميائيّة خاصّة لم تمر بها الأرض من قبل، صار فيها مناخ الأرض في هذه الظروف أشبه برحم المرأة حال احتضانه للجنين. في هذا الظرف الاستثنائي نشأت الحياة على الأرض. كل الحيوانات نمت في بدء نشأتها في حاضنات (بيوض) طينيّة بدلاً من الأرحام، كانت الحيوانات في بدء النشأة الأولى تخرج من الأرض كما يخرج الزرع بالغة مكتملة النمو ولكنَّها غير قادرة على التزاوج لأنَّ نمو الأرحام لم يكتمل بعد. بعد حين طويل تغير مناخ الأرض ونمت الأرحام فانتقل التكاثر الحيواني إلى طور آخر هو التكاثر عن طريق الالتقاء الجنسي بين الذكر والأنثى فبدأت بهذا الطور مرحلة التزاوج.

كان البشر ضمن من نشأ من الأرض (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) (نوح:14)، (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (هود:61)، (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ) (طـه:55) ، (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (الكهف:37) إلا أن ظهور البشر كان ظهوراً متأخرًا عن بعض الحيوانات. لم ينحدر البشر كما قال داروين من سلالة القرود، كل جنس حيواني خرج من الأرض جنسًا مستقلاً، القرود، والبشر، والبقر، والغنم، والإبل وسائر الحيوانات كلّ منها خرج جنسًا مستقلاً بذاته.

ترافق ظهور البشر مع ظهور الأنعام ( الإبل والبقر والغنم) لينتفع بها البشر منها (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) (غافر:79). (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) (الزمر:6).

سمّى القرآن الكريم فترة ظهور البشر الهمجي الدهر الأوّل (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (الانسان:1) كان البشر في هذه الفترة مجرد همج غير واعٍ، وغير مذكور تعني أنَّه ليس له صحيفة أعمال ولا حساب ولا حضارة ولا اتصال بملائكة ولا شياطين ولا روح ربانيّ. والتراث العربي القديم يشهد بذلك فأسطورة “أشنان والنعجة السومريّة” تقول: ” البشر الأوائل لم يعرفوا أكل الخبز، ولم يعرفوا ارتداء الملابس بعد، وكانوا يسيرون على أيديهم وأرجلهم ومن القنوات يشربون الماء.)

كان الكائن البشري في بذرته الأولى عقيمًا فقد كانت الخلايا الأولى المتكونة على ضفاف الأنهار لا جنسيّة/ خنثى (xx-xy) أي تختزن جنس ذكر xy وأنثى xx كمّا عبر القرآن (مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) (النساء:1) والميثولوجيا الفارسيّة (هو نصف ذكر وأنثى)، والتراث السومري (ليس بذكر ولا أنثى)، وفي ملحمة الخليقة البابليّة: ( فحفر ـ أي الرب ـ شقًا في الأرض ووضع بدايات البشريّة في الشقّ، وعندها بدأ البشر يظهر كالحشيش في الأرض). وفي أسطورة أخرى: لقد صنعت نين ماح من الطين المرأة التي لا تلد، وصنعت نين ماح من الطين مخلوقًا ليس له عضو الذكر ولا عضو الأنثى، وصنع إنكي المخلوق البشري الذي لا يتكلم، ولا يستطيع أن يتناول الأشياء بيده، ولا أن يثني ركبتيه.” فهذه الأساطير بينّت أنَّ خلقًا بشريًا بدائيًا لا يستطيع أن يقف منتصبًا على قدميه كان موجودًا قبل الإنسان.

بعد سنين مديدة تغير مناخ الأرض فتوقفت الأرض عن إنبات البشر لينتقل التكاثر عن طريق الاتصال الجنسي النطفة الذكريّة والبويضة الأنثويّة ( وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * (ثُمَّ) جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * (ثُمَّ) سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (السجدة: 7/9).

(وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) هو طوره البشري الأوّل، ثم صار لهذا البشر سلالة (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) ماء لقاح ذكوره بإناثه، ثم اختار من هذا البشر زوجًا آدم وحواء (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ).

وقال تعالى في موضع آخر: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * (ثُمَّ) جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * (ثُمَّ) خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً (ثُمَّ) أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون:14)، ولادة كونيّة تكاثرية يخرج فيها البشر بالغين كما سائر المخلوقات الأخرى، ثمَّ جاءت الولادة التكاثريّة عبر التلقيح الزوجي.

 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) النفس الواحدة انقسمت إلى خلايا أنثويّة مخصبة وخلايا ذكريّة مخصبة ثمَّ نمت في المستنقعات وانبثقت عن رجال بالغين ونساء بالغات ثم جاءت مرحلة التزاوج والاستيلاد (الأرحام) بدلاً من الرحم الأوّل وهو الأرض.

 (إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ) (لنجم:32)، تتحدث الآية الشريفة أنَّ هناك نشأة للبشر من الأرض، ثمَّ نشأة أخرى عبر بطون الأمهات النشأة الأخرى تفصلها هذه الآية (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ (ثُمَّ) مِنْ نُطْفَةٍ (ثُمَّ) مِنْ عَلَقَةٍ (ثُمَّ) يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) (غافر:67)هنا ذكر الإنبات من التراب والأخرى في بطون الأمهات.

ويبين القرآن الكريم أنَّ البعث يوم القيامة كالنشأة الأولى تمامًا (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً) (نوح: 17/18)، (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طـه:55)، وهذا المعنى في التراث العربي موجود، فعندما رثى جلجامش صديقه إنكيدو قال: ( صديقي الذي أحبُ عاد إلى الطين)، وفي الطوفان البابلي ينعى أوتونفتشتيم (حافظ النفوس وهو نوح “ع”) (قد عاد البشر إلى الطين). أي خرج من الطين وعاد إليه.

ثمَّ ينتقل الكتاب إلى الحديث عن خلق آدم فيعقد مقارنة بين ما جاء في القرآن الكريم والسنّة الشريفة من جهة وما جاء في التراث العربي القديم من أساطير السومريين والبابليين وبلاد الشام ووادي النيل من جهة أخرى، ليخرج بنتيجة مفادها أنَّ هذه المصادر متفقة على أن آدم الإنسان وحواء استلا من سلالة بشرية عاشت على الأرض قبل آلاف السنين، ثمَّ أدخلا الجنّة بأمر إلهي، وهذه الجنّة أرضيّة لا كما هو شائع أنَّها في السماء، في هذه الجنّة الأرضيّة وبرعاية الملائكة الصافات أعيد تخليق البشرَين ( آدم وحواء)، بتعديل أجري على جيناتهما DNA فأعيد صقل وصف الجينات وتركيزها من جديد فتحولت النطفة غير المخلقة إلى نطفة ” مخلقة” إنسانيًا. وأثبت العلم اليوم أن جينات بشر النياندرتال البهائمي الذي انتهى عصره قبل 30 ألف سنة غير مخلقة (إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الانسان:2) التعديل في جينات آدم وحواء جرى بالتأكيد على جينات العقل ليكون عقلهما فوق الغريزة لا خاضعًا لها، ووهب لهما “الروح” لتكون وسيلة اتصاله بالله وبملائكته، والضمير ليعرفا الخير والشرّ والحقَّ والباطل (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) (نوح:14) طور بعد طور، ثمَّ علما اللغة (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) (البقرة:31)، فكانا خلقًا آخر.

بعد هذا التعديل الجيني الذي شمل الجسم والعقل ونفخ الروح وهبة الضمير أفرد آدم لحواء وحواء لآدم (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (البقرة:35)، لينسلا نسلاً إنسانيًا، وأُمِرَا بأن لا يكون لهما اتصال جنسي بشجرة الهمج ( وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، جاء في التراث البابلي: ” لم يعد الشاب في الطريق يخصب المرأة الشابة، فليرقدْ إذن الرجل وحده في غرفته، ولتنم المرأة وحدها إلى جانبه”. وجاء عندما رفض جلجامش إغراء عشتار (لقد صيغت قوانين العالم الأسفل بعناية واكتمال فلا تناقشي)، وأثر عن إيزيس ملكة وادي النيل: (وعقدت بين الرجل والمرأة، وقضيت بأن يحب الأبناء آباءهم، لقد وضعت مع أخي أوزوريس حدًا لأكل البشر.)

فآدم وحواء إذن جاءا من سلالة بشريّة بدائيّة تطورت عبر مئات الآلاف من السنين (قدرها علماء الآثار بمليون إلى سبعة ملايين سنة)، بعد إعادة تخليقهما بدأ الإنسان العاقل فآدم العاقل غير معصوم وهو غير آدم النبي الذي أتى بعده بزمن طويل.

ويذهب الكاتب إلى تأكيد حقيقة أخرى مفادها أنَّه ما دام القرآن الكريم والسنَّة الشريفة لا يناقضان التراث العربي الصحيح في بدء الخلق وخلق آدم الإنسان، فيعني هذا أنَّ التراث العربي الصحيح من آثار الأنبياء السابقين (ع)، وأنَّ هذه الحضارات ليس كما أشيع عنها أنَّها حضارات وثنية تعبد آلهة شتى وإلا لما اتفقت مع القرآن الكريم والسنّة الشريفة في حقيقة غابت عن أذهان النّاس أجمعين في العصور المتأخرة. ولقد أشار القرآن الكريم في العديد من الآيات إلى تراث الأولين: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (النحل:24) ، (لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (المؤمنون:83) ،(وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان:5) ،(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (القلم:15)، لمّا وجد المشركون أنَّ ما جاء به القرآن الكريم يشابه ما عرفوه من أساطير الأولين اتهموا رسول الله (ص) بأنّه استنسخ تلك الأساطير وجاء بها، ونحن نقول أنَّ ما جاء به (ص) وما جاء في أساطير الأولين الصحيحة خرج من مشكاة واحدة، وهم الأنبياء (ع) وهذا يدل على وحدة دين الله.

ولِيدعم الكاتب ما توصل إليه بأنه لا يوجد تعارض بين ما جاء به القرآن الكريم والسنّة الشريفة وما جاء في أساطير الأولين الصحيحة يستعرض عددًا من أساطير بابل وسومر وبلاد الشام وبلاد وادي النيل التي تقول بأن قوى علويّة ربانيّة تولت خلق الإنسان. ففي التراث السومري جاء أنَّ إنكي (النقي، المنجي، المحيي) يخاطب القوة التي فوقه نين ماح (القوة المدبرة) ” إنَّ الكائن الذي نطقتِ باسمه موجود، اربطي عليه صورة الأرباب، عيني سماته أنَّه الإنسان). فالكائن البشري الهمجي البهائمي موجود قبل الإنسان وصار شجرة “نسلاً” بعد أن كان في بدء الخلق يخرج من بيوض الأرض.

والمندائيون يقولون أن آدم كان مخلوقًا ماديًا محضًا، فلمَا أحضرت نسمة الروح من عالم الأنوار وأودعت فيه صار كاملاً. وجاء في الحديث القدسي: (يا آدم بروحي نطقت).وجاء عن الإمام الباقر (ع): ( لو علم النّاس كيف ابتدأ الخلق لما اختلف اثنان).

فالإنسان لم يجبل من تمثال من طين كما جاء في التوراة: ” وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حيّة. (التكوين: 2/ 7) ولم تخلق حواء من ضلع من أضلاعه كما ذهبت التوراة أيضًا (ثمَّ استل ضلعًا من أضلاعه فخلق حواء)، (“فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا* وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ * فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ * لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.. التكوين) (2: 21ـ 24). أو أنَّه لا فرق بين الإنسان والبشر كما ذهبت التوراة أيضًا( فخلق الله الإنسان على صورته. ذكرًا وأنثى خلقهم).

وقد أنبأ القرآن الكريم بتحريف وقع في التوراة ليكون المسلمون على حذر فقال: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) (النساء:46)، (بِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) (المائدة:13) (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) (المائدة:41) ولكنّ المسلمين مع بالغ الأسف لم يتنبهوا لتحذيرات القرآن فنقلوا عن التوراة دون نقد أو تمحيص أو عرض على القرآن الذي هو: ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل:89)، والذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (فصلت:42)، والمهيمن على الكتب السماويّة المنزلة (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (المائدة:48) رغم هذه التحذيرات، أخذ المسلمون من التوراة فانتقلت بهذه الغفلة الإسرائيليات إلى كتب التفسير والتاريخ (فأصبحنا كالطائر الذي ربّى فرخ الوقواق إخوانًا، نحتضن بيض أعدائنا، نفقسه له مجانًا في أعشاش أدمغتنا، ننميه ليرمي في التراب فراخنا، فراخ تراثنا الصحيح، نغذيه ونحتضنه ثمَّ نستميت دفاعًا عنه بحياتنا)، فجمدت العقول بعد أن امتلأت كتب التفسير والتاريخ بخرافات التوراة التي قدمها المفسرون والمؤرخون كحقائق ثابتة لا تناقض القرآن ولا تعارضه، وبذلك بقيت حقيقة الخلق غائبة عن ذهن النّاس قرونًا عديدة.

من هنا نعرف لماذا عارض المسلمون الاكتشافات الأثريّة التي تثبت بما لا يدع مجالاً للشكّ أنَّ وجودًا بشريًا سبق وجود الإنسان، عارضوا هذه الحقائق وعادوها لأنَّهم وجدوها تعارض ثقافتهم السائدة في خلق آدم وحواء والتي ظنوها دينًا وحقائق قرآنيّة، وما تلك الثقافة السائدة في الواقع إلا ثقافة توراتيّة دست أو اندست في كتب المسلمين، وساعدها على البقاء طوال هذه القرون غياب البحث العلمي الصحيح عند العلماء والمؤرخين والنقل بثقة عمياء عمّن سَبَقَ كأنَّهم قوم لا يخطئون.

ثم ينتقل الكتاب إلى اختصام الملأ الأعلى في السجود لآدم فيقول: حين أعلم الربّ ( سيد الملائكة) الملائكة بخلق كائن بشري لم تحتج الملائكة على خلق هذا المخلوق لأنَّها تعلم أنَّ الله له الحكم والأمر يفعل ما يشاء ويخلق ما يشاء (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) (الحجر: 28/29) ، ولكنّهم احتجوا وتساءلوا لمّا علموا أنّه سيجعل من هذا البشر الهمجي الذي يرونه يسفك الدماء ويفسد في الأرض خليفة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)، وإذا كانت الملائكة قد سلمت بفضل الإنسان الروحاني المخلق من الهمج البدائيين فإنَّ إبليس لم يسلم حين استدعي للسجود مع الملائكة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (الاسراء:61)،. والمستكبرون على أنبيائهم ينظرون إلى أنبيائهم أنَّهم بشر استهزاءً بهم واستصغارًا لشأنهم كما ينظر إبليس (قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (ابراهيم: 10/11)، ينظرون إليهم كبشر يخطئون ولا ينظرون إليهم كبشر اصطفاهم الله وبعثهم أدلاء على ربهم ومنقذين لهم من الشرك والضلال والفساد والهمجيّة.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة