أتساءل لماذا صار علينا أن نصدق ما ينسب إلينا من أمور مكذوبة ونسلّم بها وكأنّها جزء من واقعنا وعقيدتنا، نفعل ذلك رغم الآثار الخطيرة التي يخلّفها التصديق بمثل هذه الأمور والتي تصل إلى حدّ تصدّع كياننا واهترائه. من هذه الأمور تأتي مسألة الجن في قائمتها، الجن ذلك العالم المجهول الذي مازال الكثير يتخبط في فهمه ومعرفته وتحديد العلاقة معه، وبسببه يتّهم الدين (باعتباره طرح موضوع الجن وأعلمنا نحن الإنس بهم) بالتخلّف و الرجعية وذلك لشيوع الإيمان بأوهام الجن والاعتقاد بما ليس فيهم والتي تنتشر بين أوساط المتدينين بشكل خاص وتهيمن على عقولهم. أننا نعيش زمن التحضّر وعصر إنجازات علمية باهرة تمكنت من استنساخ كائنات حيّة، ورعت مغامرات سبرت أغوار الكواكب الخارجية وكشفت أسرار النجوم والمجرّات.
إن عالم الجن يختلف اختلافا كليا عن عالم الإنس، إذ يختلف في المادة التي خلق منها، كما أنه يختلف في الصفات التي يتميز بها، وقد أدى هذا الاختلاف في المادة والصفات إلى اختلافات كبيرة في القدرات وإلى خصوصيات يختص بها كلّ عالم عن الآخر، ومع ذلك فإنّ عالمهم يشترك مع عالم الإنس في التكليف والأمر بالعبادة والوعد بالحساب، وما يترتب على ذلك من وجود العقل والإدراك والقدرة على التفكير والعمل وعلـى التمييز بين طريقي الخير والشر، قال تعالى: ( لَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) (الصافات: 158)، أي أن الجنّ على علم بحقيقة وغاية وجودها وأنها مكلّفة وستحاسب تماما مثل الإنس، وقد بيّنت الآيات أيضا أنّهم مأمورون بالإيمان والعبادة، قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون) (الذاريات:56)، ونزلت سورة كاملة باسمهم ذكرت عنهم تفاصيل كثيرة منها أنهم أصناف فمنهم المسلم ومنهم الكافر، وأنّ من أسلم لله فقد أدرك سبيل الرشد والنجاة ومن أعرض وكفر فإن مصيره إلى جهنم، تحقيقا لقوله تعالى: ( لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )(يوسف: 13).
الجنّ حسب القرآن الكريم مخلوقات موجودة معنا على هذه الأرض إلا أنّها تعيش في أبعاد مختلفة عن عالمنا ما يجعل من المحال على الناس العاديين أن يشاهدوهم أو يلتقوا بهم أو يسمعوا أحاديثهم، وفي ذلك يخبرنا القرآن الكريم: ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )(الأعراف: 27)، فلا بد من إمكانيات من نوع خاص تمكّننا من الدخول على عالمهم، تلك الإمكانيات أعطيت لبعض الأنبياء فقط كما أخبرنا القرآن الكريم، فقد سخّرت الجنّ لنبي الله سليمان(ع)، وقد أوحي إلى نبيّنا محمد(ص) أنّه قد استمع نفر منهم له وهو يتلو القرآن ولقد أعربوا عن إعجابهم بما سمعوه وسارعوا للإيمان به، وحسب بعض الروايات أنّهم عرضوا على النبي(ص) خدماتهم كما كانوا يفعلون مع نبي الله سليمان(ص) إلا أنّ النبي رفض ذلك اعتمادا على الله سبحانه وتعالى وعلى القدرة والقوة التي يملكها وعلى طاقات المؤمنين الذين أيدوه.
إنّ علاقة الجنّ بالإنسان علاقة قديمة بدأت منذ خلق آدم الإنسان الأول، وقد برزت هذه العلاقة حين أقسم إبليس وهو من الجنّ أن يكرّس جهده ليتربّص ببني آدم بعد أن اعتقد أنّ آدم قد فُضّل عليه باختياره خليفة لله في أرضه مع أنه كان يظنّ نفسه أنّه أولى منه، فانبرى مستخدما ما يستطيعه من وسائل وإمكانيات بغية إغواء بني آدم وتنحيتهم عن نيل الخيرات و تحقيق القرب والسعادة. فالجنّ في الأصل كائنات لا تعادي الإنس وليست معنية بهم، إلا إبليس وجنوده من شياطين الجن بل وجنوده من شياطين الإنس، وقد شرح القرآن الكريم هذه العلاقة وأوضح بصورة مفصّلة عداوته لآدم وبنيه، وبيّن أنّ هذه العلاقة على قدمها وامتدادها عبر التاريخ الطويل للإنسانية إلا أنّها لا تتعدّى الوساوس والخداع والاحتيال والتغرير، فإبليس لا يملك الهيمنة القاهرة والسيطرة المطلقة على الإنسان لذلك فإنّ ضحاياه هم ممن ضعف الإيمان في قلوبهم والمنطق في عقولهم والأخلاق في نفوسهم، حتى أنّ إبليس نفسه يقرّ أنّه لا يملك سلطانا على أحد، وإنّ أقصى ما يمكنه عمله هو استخدام أساليب الحيلة والدعوة للتحفيز على القيام بالأعمال الدنية الشريرة التي تبعد الناس عن استجلاب الخير والرقي والتسامي الروحي..( وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ )( إبراهيم: 22).
ورغم كل ذلك، إلا أنّ الإنسان ما برح يخشى من هذا العالم المجهول، وعبر تاريخه الطويل نسج أشكالا من القصص والروايات التي تنسب إلى الجن، الجنّ هم المتهمون الأوائل في أغلب الظواهر التي يعجز عن تفسيرها تفسيرا علميا، وإلى يومنا هذا مازلنا نسمع الكثير من القصص والأحاديث التي تتردد هنا وهناك عن الجنّ، كادعاء البعض بأنه قد أخرج جنيا من أحد المرضى بعد أن شكا أهله من تصرّفاته الغريبة ومن إصداره صراخا وأصواتا غير طبيعية، بل إنّ البعض يذهب إلى أكثر من ذلك فيدّعي أنّه تحدّث مع هذا الجنّي وعرف أنّ ديانته يهودية أو بوذية وأنّه قد أسلم على يديه بعون من الله! بل وصار طوع يديه لا يفعل إلا ما يأمره من عمل الخير. وهناك أيضا قصص تُروى عن ما يُعرَف بالبيوت المسكونة بالجنّ، والتي أصبحت مادة ثرية للأفلام والمسرحيات، حيث يدّعى ساكنوها أنّهم يسمعون أصواتا وحنينا بل وأحاديث خاصة في فترة السكون، ومثل تلك القصص يجمع على روايتها ويؤكدها كلّ من دخل هذا البيت المسكون، بما لا يترك مجالا للشك فيها، لدرجة أنّ أصحابها يفضّلون مغادرتها وبيعها بثمن بخس لشراء راحتهم والتخلص من خوفهم وقلقهم.
مثل هذه القضايا تنتشر في مجتمعاتنا الإسلامية، ورغم وجودها في المجتمعات الأخرى حتّى في مجتمعات الغرب المسيحي إلا أنّ الأمّة الإسلامية تكاد تتميّز بها، ولعل السبب يعود في أغلبه إلى انتشار الجهل والتخلف وكثرة الضغوطات والأزمات وغلبة حالة اليأس والاضطراب، ومن الطبيعي أن تكون أحد إفرازات هذه الحالة الميل لنسبة المصائب والويلات إلى مصادر غيبية وجهات شريرة، وإلى توجيه أصابع الاتهام إلى الجنّ المخلوقات التي يظّن الإنسان إنّها تفوقه قدرة ومكنة، والتي تملك ما لا يملكه وتطلع على الغيب من دونه، وبالطبع إلى أعدى أعداء الإنسان وهو الشيطان وأتباعه وهم من جنس الجنّ، فهؤلاء جميعا مسلّطون على بني آدم وقادرون على تبديل الأحوال والحلول في بدنه، بل ويمكنهم أن يحوّلوا المرأة إلى رجل ويسكنوا المنازل ويخوّفوا أصحابها، هذا ومثله من الأفكار يكثر تداولها بين الناس لدرجة تتحوّل فيها تلك الأفكار إلى دين وعقيدة، وتسري هذه العقيدة الفاسدة وتنسب إلى الدين خاصة حين يؤمن بها ويحكم بصحتها رجالات الدين والقائمون عليه، وحين تكون مادة للانتفاع المادي وغير المادي.
القرآن الكريم تحدّث في مواضع كثيرة عن الجنّ إلا أنّه لم يثبت من خلال آياته أنّهم يمكن أن يتلبّسوا في بدن الإنسان، وحتى الشيطان الذي وقف منذ اليوم الأول للإنسانية موقف المعادي المتربص، عرّفنا القرآن حدود تأثيره على بني آدم كما بيّنا سابقا، وقد يستدل البعض بآية سورة البقرة على إمكانية تلبّس الشيطان في بدن الإنسان، في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(البقرة: 275)، إلا أنّ الآية تصف الذين يشتغلون بالربا وبالتحديد في قيامهم (أي انبعاثهم لأيّ عملٍ أو توجّه) بحال الذي يقوم وقد تخبطه الشيطان بسبب المسّ، والمسّ هو جسّ الشيء وملامسته في حدوده الخارجية، ومن المسّ ما هو مادي بحسب طبيعة الماسّ والممسوس، كمسّ جسد الرجل (كذكر) جسد المرأة (كأنثى) ليعني المعاشرة الجنسية قال تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)(المجادلة:3)، ومنه ما هو معنوي كمسّ الضر ومسّ الحسنة والسيئة للإنسان، وهو مسّ معنوي يقع على الإنسان ويتأثّر به بحسب درجات استعداده وقوته وثقافته، ومنه مسّ الشيطان، و يكون الشيطان بالنسبة للإنسان كيان غير مادي، فإن مسّ الشيطان هو مسّ غير مادي كذلك، والشيطان موكل بالنفس لا بالبدن الطيني، فمسُّه يتمثّل حال حديث النفس في قدرته على تحريك نوزاع النفس وشرورها، لذلك من يمتلك التقوى يمكنه أن يصدّ مسّ الشيطان بالتذكّر أي بالرجوع إلى حالة الوعي والسيطرة على العقل ولجم النفس، (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )(الأعراف:201). والتقوى رياضة النفس لا غير، قال: عليّ (ع) (وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى).
الآية في سورة البقرة تقدم صورة لمن تمكّن منه الشيطان وتحكّم فيه، فالشيطان بمثابة فيروس حاسوبي يسعى لتشغيل برامجه الخاصة للسيطرة على فعاليات الدماغ، فإن تمكّن الشيطان من العقل وصار متحكما فيه فإنّ الشخص يصبح متخبطا في أقواله وأفعاله وردود فعله، وعلامة التخبّط عدم الإحساس بالآخرين والدوسَ على مشاعرهم وحقوقهم وآمالهم وآلامهم، والعمى عن إفسادهم الممارس بالخارج، لذلك قالت آية الأعراف أن من يتحلى بالتقوى والوعي (تذكروا) فإنه يمكن أن يبصر حاله ويعيه(فإذا هم مبصرون)، والشيطان حين يتمكّن من عقل الإنسان، يُعميه عن رؤية غير نفسه، فيبدأ بتحفيز أشكال الشهوات والمخاوف والرغبات، هذه الحالة تؤدي إلى فقدان الإنسان السيطرة على مفتاح التحكم (الكنترول) في نفسه فيصل إلى ألوان التخبط والعشوائية والسير على غير هدى، وتلك بالضبط حالة الذين يأكلون الربا، فالرغبة بالتكسّب بالربا هو هاجسهم وهو محفّزهم ومستفزّهم وهو مدار حركتهم وعملهم وقيامهم في أيّ محفل وإن قلّ شأنه، يفكّرون كيف يستجلبون المنافع لهم فيتخبّطون في الآخرين ويستنفعون على حطامهم، فالمسّ خاص بالشياطين وليس مطلق الجنّ، والمسّ كذلك أبعد ما يكون عن التلبّس، ولفظ المسّ لا تدلّ بأي حال من الأحوال على التلبّس، فالتلبّس دخول الشيء في الشيء، وقد ذكر القرآن أنّ التقوى لباس كونها حاكمة على صاحبها تمنعه من الموبقات، والزوج لباس لزوجته والزوجة لباس لزوجها، إذا أحدهما يحيط بالآخر ويحصنّه ويعينه في سدّ وتغطية حاجاته المادية والمعنوية والجسدية والنفسية والاجتماعية، ولم يرد في الآيات أبدا أنّ الشيطان لباس، ولو أراد القرآن في هذه الآية أو غيرها التلبّس لاستخدمها إظهارا للمعنى وإبعادا للشبهة.
إذن، ما نسمعه من حالات يفسّرها البعض أنها مسّ الجنّ أو الشياطين هي أبعد ما تكون عن تلبّس الجنّ أو حلولهم في الأبدان، وما هي إلا أمراض نفسية أو اضطرابات عصبية ينبغي تشخيصها من قبل أطباء نفسانيين تربويين، وغالبا ما ترجع إلى مرض الصرع أو نتيجة خلل في نظام الهرمونات، ولا يبدو غريبا أن بعض التشنجات وفقدان التوازن العصبي التي تصيب الإنسان يمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى إصدار حركات غريبة وإلى صراخ وما إليها من أشكال التغييرات في الصوت والشخصية. وأما ما يعرف بالبيوت المسكونة فليست إلا تصوّرات وروايات يرويها ذوو نفوس خصبة الخيال مليئة بالخوف بعيدة عن المنطق العلمي، والآخرون يتعاطفون معها فيصدّقونها لضعف منطقهم واختلال إيمانهم. مع عدم استثنائنا أنّها في حالات نادرة ربما تنتمي إلى عالم الأرواح (نفوس الأموات) الإنسية لا الجنية، والتي بإمكان المرء أن يتّصل بها أحياناً في المنام أو حال التجرّد.
مع تسليمنا أنّ الروح (أي النفس) لا تخرج من بدن صاحبها إلا حين الموت وليس للنفس إلاّ بدنها الخاصّ بها والشفرة الجينيّة المناسب لها ويستحيل غير هذا. فثمّة أسئلة كثيرة لا تجد لها إجابات عند من يدّعى التلبّس، والحقيقة أنّه من المحال على الله عزّ وجل أن يحاسب أحدا بذنب غيره، فلا يحاسب الطفل بذنب أبويه، ولا يحاسب البريء بذنب الجاني، ومن المحال أيضا الحلول فلكلّ مخلوق كيانه الخاص به والمسئول عنه، والإنسان كائن روحاني، ميّزه الخالق بنفخة الروح، وجعل روحه مسئولة عن الجسد، كما الجسد مسئول عن الروح، أما الجنّي فكائن ناريّ، وكلّ منهما محاسب وفق نظام إلهي عادل حسب ما يقدّمه من أعمال وبحسب ما أودع من إمكانيات وكلّف من مسئوليات.
ولو توجّهت الجهود لتعريف الناس بالشياطين وبأفعالهم ومكائدهم، وتعليمهم أساليب مقاومتهم وطرائق دحضهم، لكنّا قد تخلّصنا من آفات وويلات، ولطرقنا أبواب العلم نفسّر به الحوادث، ولتعاونّا على اكتشاف شياطين الإنس بالخصوص والجن، الذين بالفعل ينتشرون في كلّ مكان ويعملون بجدّ وإخلاص و على كافة المستويات للإيقاع بكلّ إنسان، لم ييأسوا من الإيقاع حتى بالأنبياء برغم من علمهم باتصالهم بالسماء، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ) (الأنعام:112)، لذلك فقد أمر الله سبحانه نبيه محمداً (ص) بالاستعاذة منها، قال تعالى: ( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ )(المؤمنون: 97_98)، فعلى هذا نحن مطالبون بالاستعاذة من همزات الشياطين ونفثها ونفخها وبالتحرز من حضورها، ومطالبون قبل ذلك بامتلاك السلطان الذي يمنعهم من إلحاق الضرر بنا أو مسّنا بأي سوء نفسانيّ حين لا نأبه بتهذيب نفوسنا.
ولعلّ من أسوأ شياطين الإنس، أولئك الذين يُحاولون إقناعنا بتلبّس العفاريت فينا، وخداعنا باسم الدين والقرآن، لتحصيل الثراء على حساب المساكين بعمليّات دجل إخراج الجنّ من أبدانهم وسلب إيمانهم بالله وتسطيح عقولهم ودسّ الخرافات في أذهانهم وأديانهم لتحويلهم إلى زبائن دائمين وجلب آخرين من وراءهم، فتسود ثقافة الجهل والظلام والشياطين والعفاريت، ثقافة الأطفال المرعوبين بحكايات العجائز، لنبقى مجتمعاً متخلّفاً عن الإيمان بالله وقوانينه وأسبابه إلى الإيمان بالجنّ وخرافاتهم كما ذمّ تعالى (بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)(سبأ:41).
باختصار نحن بحاجة إلى عمليات تطهّر واسعة للتخلّص من الفكر الخرافي ولتوفير مناخ ثقافي يتعامل مع العالم بقدر أكبر من الثقة والأمان والموضوعية والعقلانية.