أهذه سياسة بقاء أم فناء يا أمريكا؟

الأمم لها أخلاق كالأفراد تمامًا، وكما أن الأفراد يسمون أو ينحدرون بأخلاقهم، كذلك الأمم تسمو وتسقط بأخلاقها، فمقدونيا فنت بسبب طمعها، وفارس هلكت بغفلتها، والروم هلكت بكبريائها وغرورها، وأمريكا اليوم ستهلك بالخلق الذي هلكت به روما القديمة الكبرياء والغرور.

اغترت أمريكا بقوتها الاقتصاديّة والعسكريّة والعلميّة ونفوذها السياسي فظنت أنّها على كل شيء قادرة، فأخذت تنظّر لمشاريع خيالية تعتقد أنَّها تستطيع تفرضها بالقوة، فأقحمت نفسها في حروب لا جدوى من ورائها، فكم من حرب خاضتها بعد الحرب العالميّة الثانيّة كانت في غنىً عن خوضها بدءًا من الحرب الكوريّة فالفيتناميّة إلى الحروب مع الدول العربيّة، إذ كلّ حروب إسرائيل في المنطقة العربيّة هي حروب أمريكيّة قبل أن تكون إسرائيليّة؛ لأنَّ السلاح والتدريب والمال والإعلام وكل مستلزمات الحرب كان أمريكيًا، وما إسرائيل إلا جيش أمريكي أقيمت له دولة.

عاشت أمريكا بعد حرب فيتنام أكثر من ربع قرن عقدة حرب فيتنام فأحجمت عن إقحام نفسها مباشرة في الحروب ولكنَّها مع مطلع هذا القرن أخذت تنعتق من أسر تلك العقدة وبدأت تخوض حروبًا بجنودها وستأتي هذه الحروب عليها حتمًا، سيكون حالها كحال فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالميّة الثانيّة؛ إذ خرجتا من الحرب منتصرتين لكنَّهما ضعيفتين فاضطرتا لتقديم تنازلات للمارد الأمريكي القادم. أمريكا اليوم يحدث لها ما حدث لبريطانيا وفرنسا؛ فالحروب التي تخوضها في العالم الإسلامي لا قبل لأمريكا بها.

أولى هذه الحروب الحرب في أفغانستان، كبرياء وغرور أمريكا أعمياها عن قراءة تجربة حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان التي خرج منها منهكًا مفككًا، فرمت نفسها في أتون حرب حسبتها نزهة وإذا بها حرب ضروس وهي تقف اليوم عاجزة عن إنهائها، وعن إقناع حلف شمال الأطلسي بإرسال المزيد من الجنود، وعن إلزام الدول التي تعهدت بإعمار أفغانستان بالوفاء بتعهداتها، أليست هذه علامة على ضعف سطوتها؟ وإذا لم يكن للأفغان ما يخسرونه بعد أن دمرت الحروب كلّ حجر ومدر في بلادهم، فإن للغرب ما يخسره، سيخسر سمعة سلاحه، وفشل خططه وسياساته، وهزائم جيوشه أمام قوى أقلَّ منه عددًا وعدة. وهذه خسائر لا يستهان بها في الصراع الدولي.

ودخلت أمريكا في حرب مع القاعدة، وهذه حرب جعلت أمريكا تنزف بلا حدود، ففي 11 سبتمبر خسرت أمريكا 2 تريليون دولار أي 2000 مليار دولار، واحسب نفقات استنفار أساطيلها وقواعدها وأجهزة مخبراتها في بحار العالم وأراضيه كم يكلفها؟ واحسب ما تقدمه من أموال ونفوذ وتنازلات سياسيّة واقتصاديّة للدول الأخرى مقابل أن تقف معها في مشروعها الذي تسميه “مكافحة الإرهاب” كم يرهقها، واحسب الخسارة المعنويّة في عدم قدرتها على القضاء على القاعدة كم يكلفها من همّ وعجز وفشل، وكم يشغلها عن مراقبة دول ستصبح يومًا ما لها منافسة أو عدوة مثل الصين وروسيا وإيران.

وهي تتلظى وتنصلي بنار هاتين الحربين في أفغانستان ومع القاعدة وإذا بها ترمي نفسها في أتون حرب جديدة في العراق، ذهبت إليها بدون قرار دولي، فهي إذن تخوض حربًا غير شرعيّة في عرف الأمم المتحدة، وتصرمت خمس سنين وأمريكا غارقة حتّى أذنيها في حرب ستنتهي حتمًا بخروجها منها خاسرة، لأنَّها لن تستطيع أن تتحمل الحرب الأهليّة التي بدت نذرها تلوح في الأفق. وإذا خرجت بخفي حنين ماذا ستقول لشعبها وللعالم وقد خسرت آلاف الجنود وخسائر مادية تقدر بـ 300 بليون دولار.

وهي اليوم تلوح بحرب مع إيران ونتائج هذه الحرب لو حدثت قال عنها برجنسكي ” مستشار الرئيس الأمريكي كارتر السابق أنّها ستدوم 30 سنة وستنتهي بنهاية النفوذ الأمريكي في المنطقة”.

وهي تعيش هذه الأزمات وتكتوي بهذه الحروب تطرح مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي تريد أن تفرضه بالقوة، فكانت حرب لبنان التي خلفت أحقادًا وغضبًا على أمريكا بحجم الكرة الأرضيّة كما قال العماد ميشيل عون، وتقف أمريكا بكل صلافة تبارك تدمير إسرائيل للبنان بحجة أنَّ لكلّ عملية ولادة جديدة آلامها.

ونحن نعرض الحروب التي تخوضها أمريكا لا ننسَ الحرب في فلسطين التي يرضع فيها الطفل الغضب والحقد على أمريكا مع حليب أمّة عبر اليتم الذي يعيشه والبيوت التي تهدم على أهلها وعبر الجوع والعطش والحواجز، فهل هذه سياسة بقاء أم فناء يا أمريكا؟ وقديمًا قال الحكيم يصنع الأحمق بنفسه ما لا يصنع العدو بعدوه.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة