إلى عدوٍّ ملّكته أمري!

تسألني مضطربة: إلى من أشتكي إذا أساء لي القاضي الذي ينظر في قضيتي في المحكمة وتسبّب لي في أذى نفسي بنظراته وكلماته وتلميحاته ومساوماته المخزية؟ قلت في نفسي: سؤال وجيه، إلى من تلجأ المعتدى عليهن من النساء من قبل بعض قضاة مهووسين بالمرأة ممن يساومها على مصيرها ومصير أبنائها ليسهّل لها إجراءات الطلاق في مقابل الموافقة على (التمتّع) بها؟ سرحتُ بعيداً، فكرّرتْ السؤال عليّ بإلحاح، قلت: لست أدري، لم أسمع قط أنّ قاضياً في بلدنا تمّت محاكمته أو مقاضاته بسبب مخالفة أخلاقية ارتكبها، أو لسوء استغلاله لوظيفته.

رغم ما يُنشر من قصص وحوادث تكشف جانباً مزرياً من تجاوزات بعض القضاة في المحاكم الشرعية مع المتضررات من النساء، ومنهم من يمكن إثبات التهمة عليه متلبساً بالجرم المشهود، لو – أقول – لو وُجد القانون الذي يجرّم هذا النوع من التحرّش الوقح بنساء تنشدن خلاصاً من ظلم أزواجهن، أو لو – فقط – شعرت المرأة بالأمان إذا أرادت أن تنتصر لكرامتها التي تهان بأمثال هذه المطالبات الخسيسة بسبب ظروفها التي اضطرتها للجوء إلى المحاكم.

المحاكم مكان النظر في المظالم وإحقاق حقوق المظلومين، هكذا يُفترض أن تكون، ولهذا اكتسبت حرمة خاصة، وبهذا كست القضاة العاملين فيها قداسة من نوع خاص، فوُضعت للتعامل معهم بروتوكولات خاصة بهم، فلا يحق للجالس في الغرفة التي (سيأتي) إليها القاضي أن يضع رجلاً على رجل ففي ذلك سوء أدب وانتهاك لحرمة المكان والقاضي (الموقّر)، وغير مسموح به أن يتصفّح الصحيفة حتى قبل حضوره، ولا أن يتلفت، أو يبتسم، أو يجهر بالكلام، وأما المرأة فحالة خاصة، لابد أن تنكّس رأسها وتتماوت في حضور أحدهم، وإن أخطأ في حقها، أو أهانها، أو انتهرها، أو خدش حياءها بالتعرّض لخصوصياتها أمام الجمع، أو حتى التهمها بعينه وبنظراته السبعية، فهي (حُرمة) لا حرمة لها لدى البعض منهم.

تذكر إحداهن بأنّ أحد القضاة ساومها إن كانت تريد ورقة الطلاق بسرعة أن توافق على أن يتزوجها متعة وعلّل لها ذلك بأنها جميلة وجسمها جميل (!)، وأخرى اضطرّت أن تتنازل عن جميع حقوقها ونفقة عيالها في سبيل أن يطلّقها القاضي (المنصف) لأنها رفضت الاستجابة لطلباته الصبيانية، وثالثة الأثافي تروى على لسان أحد الحضور في إحدى جلسات المحكمة (مع أنه لا علاقة له بالقضية من قريب أو بعيد وإنما أتى للقاضي في أمر خاص فطُلب منه أن ينتظر في الغرفة التي تُعرض فيها تفاصيل قضايا الخلافات الزوجية)!!

يقول: عندما دخلت على القاضي كانت هناك امرأة تُرافع عن نفسها في قضية طلاق، فذكرت أن زوجها يعود إلى البيت فجراً وهو سكران، ويضربها، ويطردها من الغرفة، حتى أنها تضطر أحياناً أن تنام في موقف السيارة (الكراج)، مع العلم أنه لا ينفق عليها ولا على أطفالها … ولكن يبدو أن كل ذلك لم يكن كافياً للقاضي ليصدر حكمه، فطلب منها أن تكمل، فقالت أنها تخجل أن تذكر المزيد من التفاصيل، فالتفت إلى الزوج وقال له: ألم أقل لك لا تسكر، ولا تضربها، وأنفق عليها وعلى عيالها، فأنكر الزوج بأنه ضربها، فتحاملت المرأة على نفسها وقالت أنها مستعدة أن تري الشيخ آثار الضرب، فردّ عليها باستهزاء: لا داعي لذلك، ثم ما أدراني أنه آثار ضرب أو غير ذلك (!!)، فانبسط الزوج وأكمل: صدقت يا شيخ، وصدق من قال إنّ كيدهن عظيم، فأتحفها الشيخ بأن نصحه ثانية بعدم السكر، والامتناع عن الضرب والإنفاق على الأولاد وإلا فسوف يطلّقها منه، فتجرّأ الزوج عندما رأى أن كفّة الميزان رجحت لصالحه وقال: أنا أصرف عليها، ولكن هي لا ترضى أن تعطيني حق الزوجية (طبعاً بكلمات سوقية مبتذلة يصعب عليّ ذكرها كما قالها)، فعاد الشيخ ليأمرها بأن تعطيه حقه، وإن لم تجد رغبةً في ذلك، وإن كان يهينها طوال اليوم، ويضربها، فليس القرار قرارها لكي تمنعه نفسها!! قالت له بحرقة: لقد كرهته من أفعاله، ولا أريد أن أواصل حياتي معه، أرجوك يا شيخ طلّقني، وفرّج عني، فرد عليها بكل قسوة: مو كيفش – أي القرار ليس قرارك، فأمر – بقلب بارد – تأجيل القضية ستة أشهر أخرى، فأجهشت المرأة بالبكاء، وقالت: ستة أشهر أخرى، وقد قضيت ثلاث سنوات أتردّد على المحاكم لكي أحصل على الطلاق من زوج غير أهل للعلاقة الزوجية المقدسة، ارحمني يا شيخ، الله يخلّيك

ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد انتهى الموضوع بالنسبة للقاضي بمجرّد أن خرجت المدّعية من الغرفة، والتفت إلى راوي هذه الحادثة ليتجاذب معه أطراف الحديث في أمور دنياه، فابتدره سائلاً: لماذا لم تطلّقها يا شيخ رغم أنّ أسبابها وجيهة، فردّ عليه: ألم تسمع حديث رسول الله (ص) إنّ أبغض الحلال عند الله الطلاق، ثم أكمل: لو توافق لحصلت على الطلاق من زمان، فسأله: توافق على ماذا؟، قال الشيخ: لو توافق أن تتزوّجني متعة، لكي أحصّنها بعد الطلاق!!

عجباً، أيّ نظام هذا الذي يمكنه أن يجمع بين أقدس المهن وأخسّ الأخلاق وأرذلها؟ ومن المستفيد من ذلك؟ ولماذا استمرّ الحال رغم كثرة الشكاوى التي نُشرت بهذا الشأن قديماً وحديثاً، وإلى متى؟ وهل من سبيل للإجابة على السؤال أعلاه: إلى من تشتكي المعتدى عليهن في المحاكم؟

علامة تعجّب: لا تغلق بعض المصانع والشركات والبنوك التجارية أبوابها أكثر من أربعة أيام لئلا تتعطّل مصالح الناس، بينما لا تجد المحاكم حرجاً من غلق أبوابها أربعة أشهر وهناك قضايا مصيرية معطّلة، ومظالم تنتظر من يبتّ فيها!

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة