كان أعمى يمشي في عتمة الليل حاملاَ معه جرَّة ومصباح، فمرَّ عليه رجلُ سأله باستهزاء: أنت أعمى والنور والظلام بالنسبة لك سيَّان، حتى أنك لا تميّز ضياء الشمس في منتصف النهار، فما جدوى هذا المصباح الذي تحمله؟ فرد عليه الأعمى: لا أحمل المصباح لأنير طريقي، بل لأنير طريق أعمى قلب مارّ، لا يحتاط في الظلام فيصيبني ويكسر جرّتي.

كم من نظراتنا للآخرين بها استهزاء وسخرية ونُقَيّم أفعالهم وأقوالهم بناءً على نظرتنا للأمور، والمعلومات التي نمتلكها والتي نعتقد بأنها كاملة، فنتخيّل الأسباب التي تدعونا لنحمل المصباح ونعتقد أنّ كلّ من يحمل المصباح لديه أسبابٌ كأسبابنا، ولأننا لم نكن قط في مقام الآخرين ومخاوفهم وتطلعاتهم المختلفة عن مخاوفنا وتطلعاتنا، ولا نمتلك المعلومات التي لديهم، نعتقد بأنهم يرون الأمور بطريقتنا ونصبح نحن المقياس لأفعالهم وتصرفاتهم، وإن اختلف ذلك اعتقدنا من فورنا بسخف عقولهم وضعف منطقهم وقلّة فهمهم.

والعديد من المشكلات والخصومات ناتجة عن تفسير الأحداث، وليس الأحداث ذاتها، وما نعطيه من معنى لتصرّفات الآخرين والتي كثيراً ما تكون مبنية على نظرتنا للأمور وافتراض إحاطتنا بكل الحيثيات المتعلقة بالحدث، وقد تتضح لنا صورة مختلفة تماما حين يقوم صاحب الحدث بشرح ما قام به من وجهة نظره، ونتعرّف على عوامل أخرى لم نكن نحيط بها، فتتغيّر الصورة لدينا ومعها نظرتنا إلى هذا الشخص، وهي في الغالب تتغيّر إلى الأفضل وتضيف له احتراماً أكبر وربما تقرّبه لنا أكثر، وحتى لو كنا لا نزال نعتقد بأنّ تصرفه كان خاطئاً، إلا أنّ قدرتنا على فهم الآخرين سوف تتّسع بالتأكيد، وكذلك أفقنا لاحتوائهم وإدراك طريقة تفكيرهم وتحليلهم للأمور حتى في التصرفات التي تبدو لنا غريبة أو مبهمة أو غير معقولة أو حتى سيئة.

فلو أعطينا أنفسنا مجالاً لحسن الظنّ بالآخرين واحترام عقولهم، لأصبحنا موسوعة من العلم ولساعدنا أنفسنا على الفهم بطريقة أعمق وتجربة نواحي أخرى من الحياة، ولأصبحت مهاراتنا في التفكير الإبداعي والقدرة على حلّ المشكلات والحدّ منها تفوق ما نحن فيه بشكل لافت، وفي نفس الوقت نستطيع أن نبني علاقات أفضل مع الآخرين في مجالات الحياة المختلفة، ولعلَّ حديث رسول الرحمة “احمل أخاك على سبعين محمل” يؤكد لنا الجهد الذي علينا أن نبذله لكي لا نحكم بما نعرف فقط، بل نضيف سبعين احتمالاً حسناً قبل أن ننزلق إلى الاحتمال السيئ الذي يحطّ من الشخص، ولنعطي مجالاً لأنفسنا لفهم الآخرين والتأكّد من إنصافنا لهم قبل أن نسيء إليهم، حتى ولو لم تتعدّ هذه الإساءة التفكير عنهم بسوء أو باستهزاء.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة