الحبّ الزوجي .. كاستحواذ وكعنفٍ مخملي

كان ينقل تجربته بافتخار شديد لصديقه، حين استطاع أن ينهي المشاكل المتفاقمة بينه وبين زوجته وإعادة الهدوء والاستقرار له في بيت الزوجية، وذلك بعد أن جرّد زوجته من الهاتف النقال، ومنعها من السياقة، وأمرها بترك وظيفتها والتفرّغ لتربية الأطفال، كما فرض عليها لبس النقاب إذا أرادت أن تخرج من البيت بصحبته طبعاً وليس مسموحاً لها الخروج بلا (إذنه)، هذا عدا عن العنف النفسي والجسدي الذي يمارسه عليها كالإهانة والتحقير والضرب، فهو الآن ينعم بالاستقرار بعد أن قتل نفساً ليبقي على انتعاش قلبه المريض، وهي تذوي وتذوب قطرة قطرة – بشهادة أهل زوجها – لأنّ المسكينة تريد أن تحافظ على أسرتها!

لو تسأل أكثر النساء الشرقيات عمّا تعرفه من حقوقها لتلعثمت، وتردّدت، ولما استطاعت أن تذكر إلاّ واحداً أو اثنين منها كحقها في النفقة مثلاً، وحسن المعاشرة، ولو دقّقت معها قليلاً لعلمت أنها قد تنازلت منذ زمن طويل عنهما وضحّت بكل شيء لأجل أن تحافظ على أسرتها، فهي التي تنفق على البيت – هذا إذا سمح لها زوجُها بالتصرّف في راتبها الشهري ولم يحجر على بطاقتها الائتمانية ويتملّكها – وهي التي تربّي الأبناء، وتنفق عليهم، وتقضي حوائجهم، وتخطّط لمستقبلهم، تفعل ذلك وزوجها غائب، وإذا حضر تقدّمته مطالباته وحاجاته ورغباته التي يجب أن تضعها المرأة في أولوياتها لتلبّيها قبل أن تنزل عليها لعنة “الملائكة” ويحلّ “غضب الله” عليها!

الحديث هنا عن الغالبية العظمى من ملايين النساء الأمّيات بحقّهن الأوّل والأصيل في العيش بكرامة وعزّة “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ”، الذي لا يحق لأحد أن يسلبها إيّاه، فكيف إذا تنازلت عنه طواعية، بجهل، أو تحت ضغط العنف المخملي الذي يمارس ضدّها من قبل المجتمع أو الزوج، بتلقينها بأنها هي صاحبة القلب الكبير، المسئولة عن المحافظة على البيت، والمأمورة بتحمّل كل الإساءات الموجهة إليها بعنوان حسن التبعّل والصبر، بعد أن بُرمجت مذ طفولتها بموروثات مدسوسة، وفهم خاطئ لكلام الله، وأحكام مستخرجة من (كهوف) العقلية الذكورية.

لا أخاف على المرأة من العنف الجسدي بقدر ما أخاف عليها من الابتزاز النفسي والعاطفي الذي يمارسه عليها (الزوج) فتعيش الاستكانة والذلة (قربة إلى الله)، ولعلّها لا تعلم أنها بذلك تخالف عشرات الآيات القرآنية في سبيل العمل بفتوى مجحفة ما فكّرت يوماً أن تناقشها مناقشة عقلية، ولم تتساءل يوماً عن سبب انتشار فتاوى (حق طاعة الزوج) بتفاصيلها المضحكة دون غيرها من الحقوق، وكيف يمكن أن تكون طاعة الزوج مقدّمة على برّ الوالدين سواء أرادت زيارتهما أو عيادتهما أو حتى حضور جنازة أحدهما؟! ولماذا عُكست الفتوى بالنسبة للزوج؟ ولماذا حفظت النساء والرجال فتوى حرمة خروج الزوجة من مسكنها إلاّ بإذن زوجها عن ظهر قلب، ولم يُتداول إلاّ قليلاً ما نُسب لرسول الله (ص): “إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها”!

ولكن، ربما تعويلاً على أنّ النساء “ناقصات عقل” ولن يجرأن على مناقشة فتاوى “الرجال” الأذكياء مُرّرت عليهن أحكام غريبة فقبلتها وعملت بها وتناقلتها جيلاً بعد جيل، حتى قيل أنّ امرأة نصحت ابنتها ليلة زفافها بأن “كوني له أمة يكن لك عبداً، كوني له أرضاً يكن لك سماءً، وكوني له مهاداً يكن لك عماداً”، والمفارقة أنها ستعمل بالنصيحة وتكون له أمة، وأرضاً، ومهاداً، ولكنه محال أن يكون لها عبداً أو سماء أو عماداً، فإذا اشتكت الحال بعد ذلك قيل لها، اصبري، واعلمي أنّ “المرأة مثل السجاد الإيراني، كلما دست عليه أكثر ازدادت قيمته”، فسبحان الله، ما هذه البرمجة السقيمة، وربنا الكريم يقول: “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ”، فإذا بهنّ سجّادات دوس بأحذية الأزواج!

لو اجتمعت قوى العالم كلها، رجالاً ونساءً، حكومات ومنظمات حقوقية، شرائع سماوية أو دساتير دولية، على أن تدافع عن حقوق المرأة، فلن تحدث تلك الجهود أي تغيير حقيقي في واقع المرأة مادامت تعيش المهانة في داخلها، وترضى أن تعيش مسلوبة الإرادة مع من تظن أن ظلّه خير من ظلّ الحائط – مع أنّ العكس صحيح – فالحائط يأوي ويحمي بينما هكذا أزواج يكتمون أنفاس المرأة، ويسلبونها حرمتها أمام أبنائها، ويفقدونها احترامها لذاتها.

في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة لابد من تكثيف الجهود لتثقيف المرأة بحقوقها المشروعة لها من قبل خالقها، وفكّ برمجتها السلبية تجاه نفسها وتحريرها من الشعور بدونيتها أمام الرجل أو بعبوديتها له تحت أي مسمّى كان.

وحتى يتحقّق ذلك، فثمّة اقتراح ظريف يُحاكي “الحيّل الشرعية” الرائجة والمقدَّمة للرجل، يُقدّم هذه المرّة للمرأة التي يصرّ زوجها على عدم خروجها إلاّ “بإذنه”، أن تستأذنه بقطع إحدى “أذنيه” لكي تحملها معها أينما ذهبت فلا تضطرّ بعد ذلك أن تخرج بدون “إذنه”، ولا أظنّ أن الزوج المحبّ سيستكثر عليها هذه التضحية البسيطة في مقابل تحكّمه في مصيرها، لا سيّما وأنّه بغير حاجة ماسّة إلى “أذنه” تلك التي لا يسمع بها لا شكاوى زوجته واستصراخها ولا آلامها وخفيّ أنّاتها!

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة