الخوف من البوح بالحقيقة أو من ضياعها؟

“لم يحدث السبي البابلي لليهود في فلسطين، كما أنّ المصريين والآشوريين لم يشتبكوا فوق أرضها قط، وسفن سليمان لم تمخر عباب المتوسط، ولم ترسُ في موانئ صور اللبنانية، والملك داوود لم يحارب الفلسطينيين، وبينما يُزعم أنّ الهيكل بني في فلسطين فإنّ الحقيقة التي لا مناص من التمعّن فيها اليوم هي أنّ القبائل اليهودية اليمنية العائدة من الأسر البابلي هي التي أعادت بناء الهيكل في “السراة اليمنية” وليس في فلسطين… فمملكة إسرائيل القديمة لم تكن قطّ في فلسطين، بل في اليمن شرقي صنعاء أو في نجران”، هذا ما توصّل إليه الكاتب والباحث العراقي فاضل الربيعي في كتابه “فلسطين المُتخيلة” وغيرها الكثير من المعلومات التي تؤكّد على كذب ادّعاءات اليهود في أرض فلسطين المحتلّة.

كما يرى باحثون آخرون كسامر الإسلامبولي وغيره أنّ المسجد الأقصى الموجود في القدس المحتلة ليس هو القبلة الأولى التي كان يستقبلها المسلمون في صلاتهم في بداية الدعوة، لأنّه لم يكن موجوداً آنذاك، بل بناه صلاح الدين الأيوبي عندما حرّر فلسطين من الصليبيين على أنقاض كنيسة القيامة، وقد أطلق عليه اسم المسجد الأقصى تيّمناً بورود هذا الاسم في القرآن الكريم، وأنه لا وجود لهيكل سليمان تحت المسجد الأقصى، وأنّ ما يقوم به الصهاينة من عمليات حفر وشق شبكات أنفاق بحجّة البحث عن الهيكل المزعوم ما هو إلا تتمّة لكذبة أرض الميعاد التي اختلقوها لينهبوا الأرض ويشرّدوا أهلها.

ثمة من يرى أنه ليس من المناسب – الآن – نشر هذه المعلومات وتعميمها، خوفاً من أن يستغلّها الصهاينة فيستنكروا على الفلسطينيين الجهاد في سبيل استرجاع أرضهم، وقد يذهب البعض الآخر إلى مدى أبعد بأن يعتقد أنّ من يروّج لهذه الأفكار إنما يريد أن يعطي الشرعية للصهاينة أن يحتلوا الجزيرة العربية (!) وما إلى ذلك من مخاوف وهواجس لا علاقة لها بأصل موضوع تزوير حقائق التاريخ والجغرافيا المستمرّ على مدى قرون طويلة لنهب الأرض وتهويدها وتهجير أهلها عن أرضهم وقراهم وبيوتهم، لتبرير استمرار الاحتلال، مع أنّ تحرير الأراضي الفلسطينية حقّ وطنيّ ثابت، لأنّ وجودهم وجود تاريخي أصيل، لم يُمنحلهم كنحلة دينية بل ذلك هو وطنهم مذ نشأوا فيه إلى قيام الساعة، فلا يحقّ لأحد أن يسلبهم هذا الحقّ وإن أثبتت الدلائل أنّ المسجد الأقصى (المذكور في القرآن الكريم) ليس هو الذي في فلسطين، إنما يحتاج إلى هذه المبرّرات المحتلّ الغاصب لا صاحب الأرض والوطن.

اليوم تجري أكبر عملية تهويد للقدس بتهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه بعد مصادرتها وتحويل بعضها إلى مناطق سياحية، وتطويق الحرم بأكثر من ستّين كنيس يهودي، وتزوير الوثائق، وهدم البيوت على رؤوس أهلها بلا سابق إنذار أو بعد إخطار لا يزيد على الخمس دقائق، تحت عناوين الهدم الإداري لبناء جدار العزل الجائر، أو بحجة البناء بدون ترخيص لتحويلها إلى بؤر استيطانية، حدث هذا منذ واحد وستّين عاماً، فلم يكد يمضي الشهر الأول على نكسة 1967 إلا وقد أُزيل خمسة آلاف منزل من الوجود، وحُوّلت بعض المساجد إلى مرابض إبل، واليوم يتكرّر المشهد أمام العالم بشراسة أكبر ووتيرة أسرع، وتُذكر قصص النهب والسلب الهمجية في الفضائيات والإذاعات العالمية المشهورة، ولا حياة لمن تنادي من حكومات عربية أو منظّمات إسلامية، عدا عن بعض المتضامنين الأجانب الذين وهبوا أنفسهم لنصرة المظلوم.

عندما كنّا أطفالا كنّا نحمل هموماً كباراً، وهموم الكبار كانت همومنا، وكانت فلسطين على رأس قائمة اهتماماتنا في البيت والمدرسة وفي ضمائرنا البتة .. رفض والدي أن يحتفل بالعيد في عام النكسة تضامناً مع همّ الأمة حين كان لها همّا مشتركاً من المحيط إلى الخليج، وفي المدرسة، كانت مدرّسة التاريخ تربط أحداث فلسطين من مؤتمر بازل عام 1897 إلى عام النكبة 1948، إلى عام النكسة الذي كان واقعا نعيشه ونهتمّ بتفاصيل أحداثه حيث كنا في المرحلة الابتدائية فكان كلّما قرع جرس “الفسحة” هرعنا إلى غرفة “المعلمات” لكي نتابع آخر أخبار حرب 1967 من الراديو حيث كانت وسيلة الإعلام المتوفرة آنذاك، ولا أتذكّر يوماً منعتنا إدارة المدرسة، ولا قوانين الوزارة من فعل ذلك، فكنّا نعيش حالة انسجام تام بين ما نتعلّمه في المدرسة، وما تقرّه الوزارة، وما نتربّى عليه من قيم، وما تمرّ بنا من حوادث نتابعها أوّلاً بأوّل، نعم، كانت الحكومات متخاذلة أو قليلة الحيلة تكتفي بالشجب والتنديد ولكنها لم تجرّم من يعبّر عن تأييده ودفاعه عن فلسطين، فقد كان هذا خطاّ أحمر آنذاك.

أبناؤنا اليوم، يفتقدون هذا الانسجام ووحدة الهدف والرؤية بين ضمائرهم وتعليمهم وتربيتهم، فالإنترنيت والفيس بوك (facebook) والفضائيات يسبقون ويغلبون الوالدين والمدرّسين في التربية والتعليم، وهم أقدر على تشكيل وعي الأبناء والتحكّم في ضمائرهم، وهناك من لا يزال يخشى تعريضهم لصدمة معرفة حقائق التاريخ والجغرافيا لئلا يفقدوا الخيط الرفيع الذي يربطهم بقضيتهم، إن كان ثمة رابط.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة