أكّد الباحث بجمعية التجديد الثقافية الاجتماعية الأستاذ عيسى الشارقي في مشاركته في “الملتقى العربي الخامس للتنمية الإنسانية” أنَّ طريق السلامة الذي يحقق رفعة الأمم وحرية الأنفس في آن واحد هو في التمكن من تحقيق المعادلة الصعبة والدقيقة في قدرة الإنسان على امتلاك الدنيا بكل قواها ولكن دون أن تتملكه.
وأضاف “أن تمارس لعبة الدنيا كأحسن ما يكون اللاعبين، ولكن دون أن تنسى أنَّها مجرد لعبة، ولن تتمكن من ذلك ما لم تضع الموازين القسط لنفسك قبالة المال والجاه والدنيا”.
ودعا الأستاذ الشارقي في ورقته (مواويل على إيقاع حضارة تنتحر) إلى روحنة الإنسان الفاعل المبدع، قائلاً “متى ما كان الإنسان فاعلاً مبدعًا وكان روحانيًا فقد جمع ما يؤهله لتطوير الحياة دون أن يدمرها، وما يؤهله للكون في سلام مع نفسه ومع الغير ومع الخلق أجمعين”.
وقال الأستاذ الشارقي في ورقته التي طرحها ضمن المحور الثالث (السلام الداخلي) “عبثا تحاول الأمم المتحدة، وأحزاب الخضر وعلماء الطبيعة أن ينقذوا العالم من نفسه بعدما تبين لهم عمق الهاوية، فلم يعد بالإمكان إعادة الوحش إلى جحره، والمارد إلى قمقمه، فقد تمكنت المتعة من نفسه، وأخذت دعايات أرباب الإنتاج بلبه، وهو لا يملك قلبًا زكيًا يعيده إلى جادة الصواب والرشد؛ لأنَّه وبكل بساطة لا زال ينظر للاستهلاك واللذة نظرة تنتهي عندها غاية الوجود، فما السعادة إلا في الاستهلاك وما السعادة إلا في المتعة، ونحن بهذا نهلك أنفسنا من حيث لا نشعر”.
وانتقد الأستاذ الشارقي النظام الغربي القائم على الاستهلاك قائلاً “إنَّ روح الغرب التي تفجرت منذ عصر النهضة، وظهرت في رحلات الاستكشاف، ثمَّ في حركة الاستعمار للضعفاء وإبادة الشعوب وطمس الحضارات، واستنزاف البشر والحجر والشجر، هذه الروح لا تزال حية تسعى، يستحثها الطمع في كواكب السماء وجبال الأرض وبحار الدنيا”.
مضيفاً “إنَّهم يشمون المال من تحت سبع أرضين ومن فوق سبع سماوات، ولقد استنزفوا في النصف ساعة الأخير من يوم الدنيا ما لم يستهلكه جميع الخلائق منذ أن بدأ الخلق، ولن يتركوا شيئًا حتى يدمروا الطبيعة أو تدمرهم”.
وأشار الشارقي إلى انتشار سلوكيات في عالم العولمة لم تكن مستحسنة في حداثة ما قبل العولمة، “فتبدلت قيم كانت سامية إلى مسوخ مشوهة، فالحرية والفردانية والتعددية والمساواة والمشاركة كلَّها قد فقدت أو تكاد تلك المعاني الأولى التي كانت معنية في بدايات الحداثة والدعوات الليبرالية، فكلَّها أصبحت آليات مساعدة في تنشيط مجتمع الاستهلاك وتنميطه وتزييفه”.
وتابع الشارقي “فبدل أن كانت تسعى في جوهرها لتنمية الثقة بالذات وتفردها كدليل على حريتها وخصوصيتها، أصبحت الآن تروج لحرية مزيّفة لا تخرج في جوهرها عن روح القطيع الحيواني القائم على المتابعة والمثابرة في البحث عن آخر المستجدات في السلع والخدمات تحت شعار: التقدم يعني أن تستخدم آخر ما توصل إليه العلم، ولكنَّهم في الحقيقة لا يعنون به إلا آخر ما أنتجته المصانع والشركات”.
وتأتي مشاركة الأستاذ عيسى الشارقي في “الملتقى العربي الخامس للتنمية الإنسانية” الذي تنظّمه جمعية البحرين النسائية-للتنمية الإنسانية تحت شعار “خطوات نحو تحقيق العدالة والسلام والتنمية المستدامة” في الفترة من 26-27 مايو 2010 تأكيداً على أهمية احتياجات الإنسان الروحية والمعنوية إضافةً إلى الاحتياجات المادية، بما يعزّز السلام الداخلي ويحقق أمن الإنسان.