القانون نصير الحقوق أو سوط الاستبداد

في الصين القديمة كانت إحدى المدارس الفلسفية الشهيرة تؤمن بأنّ الإنسان في الأصل ذو طبيعة شريرة، وأنّ الطريقة الخيرة التي يتصرّف بها سببُها – في الغالب – تأثير البيئة الاجتماعية، وخاصة تعلّم الطقوس الدينية وضوابط قوانين العقوبات، وكانت تؤمن بالمبدأ القائل: “إنّ قانوناً واحداً مقترناً بعقوبات شديدة لضمان تنفيذه أفضل من كلّ كلمات الحكماء لحفظ النظام”، كما كان حكماء الهند يؤمنون بأّن الإنسان بطبعه جشع، وإنه إذا ما تُرك له العنان فإنّ العالم سيتحوّل إلى ورشة للشيطان يسود فيها منطق السمَك، أي “أنّ الكبير يأكل الصغير”.

وفي المقابل هناك جدل دائر في كتب القانون والفلسفة والاجتماع على خلفية الفكرة القائلة بأنّ وراء النظم القانونية المعمول بها في المجتمعات المختلفة ثمّة قانوناً أسمى يمكن على أساسه أن نحكم على القانون البشري الوضعي أو نتجاوزه إلى ما هو أنقى وأرقى، يعني بذلك قانون القيم والأخلاق المنبثقة من كلام الحكماء أو شرائع الأنبياء، المنسجم مع الفطرة السليمة، الذي يعطي كل ذي حقّ حقه، إذا استُوعب، ولا يمكن أن يقبل ما ليس بحقّ على أنه حق ولو شرّعت له أحدث التشريعات والقوانين، كالعلاقات المشبوهة للمثليّين التي يراد لها أن تُقنّن لتصبح عرفاً بينما هي مخالفة للقوانين الطبيعية.

ثمة تجاذب وتنافر بين الحقوق والقانون، فمرّة يُتّهم القانون بأنه سوط الطواغيت لمنع الناس من الحصول على حقوقهم المشروعة وممارسة حريّاتهم، ومرّة يُطَالَب به ليكون أداة لإيفاء الناس حقوقهم لأنه لولا وجود القوانين لضاعت الحقوق، كما أنّ بينهما تلازماً فلا يمكنك التحدّث عن الحقوق دون أن تتطرّق إلى القوانين والتشريعات التي تضمن إعطاء هذه الحقوق لمستحقّيها، وكلما وجدت حقّاً ضائعاً بحثت عن قانون يعيد الحق لأهله، ومن هنا لم يعد يُنظر إلى القانون كقوة سلبية صرفة لكبح الشرّ، بل أداة لتحقيق أهداف الإنسان التي توجهه إليها دوافعه الخيّرة.

 وفيما يخصّ “حقوق الإنسان”، فهناك ما يسمى بـ(الحقوق المعنوية) النابعة من إنسانية كل إنسان وتقوم على دعامتي الحرية والمساواة التي أُريد للناس أن يكونوا عليها قبل أن تقوم فيهم سلطة تحدّ من ممارستها وتستهدف ضمان كرامتهم التي أقرّتها كل الشرائع وأكّدت عليها الرسالة الخاتمة بقوله تعالى: “ولقد كرّمنا بني آدم”، فالحقوق المعنوية أو الطبيعية حقوق ثابتة يحظى بها الفرد لمجرد كونه إنساناً، ونوع آخر من الحقوق يعرف بـ(الحقوق القانونية) التي أنشئت طبقاً لحاجة الناس، وهي مكتسبة وقد توصّل إليها الإنسان بعد معاناة وكفاح نتيجة لما مرّ به من حروب ومآسي وتحدّيات حتّمت عليه صياغة تلك القوانين لحفظ الحقوق والنظام في المجتمعات الإنسانية بعد أن تراجع الوازع الأخلاقي واندثرت الأعراف والقيم التي كانت تنظّم العلاقات في المجتمعات القديمة.

ولكن في ظل الأنظمة الحالية، والظلم المستبد على جميع الأصعدة فليس من الممكن التحدّث عن حقوق طبيعية مجرّدة للإنسان تُعطى له دون عناء المطالبة، كما أنّ القوانين مهما تطوّرت، إذا لم ترقَ إلى المستوى الذي يجعلها فوق الأقوياء، فلا مجال للحديث لا عن حقوق طبيعية، ولا حقوق قانونية بل فوضى عارمة، وظلم مستشرٍ، ومزيد من الضحايا على مذبح العدالة الإنسانية.

كما أنّ المطالبة بالحقوق لا يمكن أن يكون إذا جهل الإنسان حقه، أو اعتبر التنازل عن حقوقه نوعاً من التضحية أو المسالمة أو الصبر على الأذى، وما إلى ذلك من تسميات يتبنّاها الكسالى أو الغافلون عن حقوقهم.

 يُذكر أنّ نادلة مسلمة في بريطانيا رفعت دعوى قضائية تطالب بتعويض مقداره ثلاثين ألف دولار لأنها أُجبرت على ارتداء ملابس غير لائقة أثناء أدائها لعملها فلما رفضت ذلك تمّ فصلها من العمل فوراً، رغم أنها عندما تقدّمت للوظيفة كانت ترتدي ملابس محتشمة ولم يُشترط عليها استبدالها بغيرها بمميزات خاصة، فلو لم تكن تعرف القانون الذي يحتفظ لها بحق الاعتراض والمطالبة بالتعويض لاستمرّت في عمل يهين كرامتها الإنسانية ويجرّها نحو الرذيلة.

مجتمعاتنا العربية تعاني من قلة معرفة وجهل بالكثير من الحقوق التي تضمنها لها القوانين الدولية والتشريعات الوطنية، كما أنّ القضاء والمحاكم فيها يشكو من بيروقراطية وترهّل في البتّ في القضايا المكدّسة لديها – ربما تطبيقا لسياسة التطفيش حتى يتنازل الفرد عن حقه – والمؤسسات الحقوقية، والنقابات وغيرها من منظمات تُعنى بشئون العمال والموظفين وعموم الناس أرهق بعضها في مواجهات مع الأنظمة المراوغة، وانشغل بعضها الآخر بقضايا جانبية أو حزبيّة، وبقى أكثر الناس يجهلون حقوقهم أو ينتظرون من يدافع لهم عنها صِرفاً.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة