الوحدة الشعورية أُولى العتَبات والعقبات

في ندوة “الطائفية بين الدين والسياسة” بجمعية التجديد الثقافية أشار الشيخ صلاح الجودر – مقدّم الندوة – إلى ما اعتبره (مراكز الدعم والتغذية للطائفيين السياسيين)، فذكر من بينها الخطب المنبرية التأجيجية، والفتاوى التكفيرية، والمصطلحات التنفيرية، والمقالات والنشرات والبيانات التحريضية، وسمّى مروّجيها (مصاصي دماء، وزعماء حروب باردة).

تصفّحت وجوه الحضور باحثة عن بعض من رؤوس الطائفية في البلد (من الطائفتين) الذين تعاقدوا مع (الفتنة) وجعلوا رسالتهم في الحياة النفخ في الخلافات المذهبية، لا لخدمة الدين – كما يدّعون – وإنما توظيفاً له لتحقيق أغراض سياسية ومصالح فئوية وشخصيّة، تصفّحت الوجوه فلم أجد منهم أحداً، ولا حتى من بعض فروخهم، فاستشعرت للحظة لاجدوائية تحاور اللاطائفيين مع بعضهم فيما أصبح من المسلّمات بالنسبة لهم، بينما يمتنع الطائفيون عن الحضور وإبداء الرأي في الفضاءات الثقافية والاجتماعية المفتوحة، ليستمرّوا في التأجيج الطائفي من المنابر وفي الغرف المغلقة حين يخلون إلى أتباعهم المغرَّر بهم.

يشكو الجميع من وجود فرز طائفي حادّ في المجتمع، يغذّيه النظام من جهة، وتعزّزه ممارسات أقطاب الطائفية ورؤوسها من جهة أخرى، فتتبادل الأطراف التهم فيما بينها، في حين أن جميعها تدعو إلى الوحدة ونبذ الطائفية، وهكذا، ندور في حلقة مفرغة لنتوه في جدلية “الدجاجة والبيضة” من البادئ الأظلم، فينسى الجميع التوصية المحمّدية الأبدية (خيرهما الذي يبدأ بالسلام) حتى تتعمّق الخلافات، وتتراكم المفرّقات، فلا يأخذ أي من الأطراف زمام المبادرة ولو بمشروع واحد يثبت صدق النوايا التوحيدية بعيداً عن التنظير.

فمنذ سنوات مضت نادى البعض، ومن كلا الفريقين بـ”توحيد الصناديق الخيرية” ووافقهم على ذلك الكثيرون، ولكن حتى الآن لم نسمع بمن أخذ شرف إنشاء هذا الصندوق الخيري الذي يُعنى بشئون (المعوزين) بغض النظر عن طائفتهم أو مذهبهم، وبرأيي أن هذه الخطوة لن تكون ما لم يسبقها العمل على تعميق وممارسة الوحدة الشعورية بين أبناء الطائفتين بحيث لا يرضى أي منهم السكوت على الظلم الذي يقع على الآخر، بل ربما يتغاضى ويتنازل عن حقّه لأجل أخيه من الطائفة الأخرى، فيكون كل منهم محاميا للآخر في غيابه وبحضوره.

تستحضرني حادثتين تعبّران عن الوحدة الشعورية التي ندعو إليها كضرورة لأي مشروع وحدوي اجتماعي، إحداهما كانت في الأردن، حيث تطاول خطيب المسجد في صلاة الجمعة على “حزب الله” فأسماه بـ”حزب اللات” لينسبه إلى “صنم اللات”، فأثار بهذه الكلمات المصلّين الذين استنكروا عليه ذلك وطالبوه بالكفّ عن وصف حزب الله بهذه النعوت، وطلبوا منه إقامة الصلاة فوراً ودون إكمال الخطبة ثمّ منعوه بالقوّة من خطبته التفريقية، ويذكر أنّ هذا حدث في حضور شخصيات رسمية أردنية فلم يحرّكوا ساكناً!

والحادثة الثانية حدثت قرب روضة النبيّ محمد (ص) حيث تذكر الدكتورة لينا الحمصي: “كنّا في عمرة إلى الديار المقدسة، ولقد ركبنا الحافلة التي توجهت بنا إلى المدينة المنورة، لاحت من بعيد مآذن المسجد النبوي، تملّكنا خشوع جميل وشعرنا بأنوار النبيّ تتدفّق إلى حنايا قلوبنا المتعطشة إلى زيارته والسلام عليه (ص)، اغتنم الشيخ المرافق لنا الفرصة فوقف بين جموع المعتمرين ليعظهم ويهيئ قلوبهم لتلقي الأنوار، وبدأ حديثه بالكلام عن محبة النبي (ص)، وضرورة تهيئة القلب للمثول بين يدي النبي (ص)، كما تحدّث عن ضرورة إعداد العدة لنصرة دين النبي (ص)” فتكمل متسائلة: “أتدرون ما هي العدّة التي تحدّث عنها فضيلته؟ إنها التيقظ لما يحيكه أعداء الإسلام والمسلمين وهم: أمريكا وإسرائيل والشيعة” ثم تقول: “ظننت نفسي مخطئة فيما سمعته، فاستفسرت قائلة: من هم أعداء الإسلام والمسلمين؟ فأجاب غضباً: أعداؤنا هم أمريكا وإسرائيل والشيعة”، وتُواصل: “لم أستطع أن أتمالك نفسي، فحاججته مستنكرة عليه هذا الكلام، لكنه أفاض واستفاض، وأزبد وأرعد، وهو ينفث سمومه في ركّاب الحافلة، فثار جدال حاد بيني وبينه حتى ظن البعض أنني شيعية، ورغم ذلك لم أصل إلى نتيجة معه، فغادرت الحافلة تعبيراً عن رفضي لتحريضه.

إذا استطعنا أن نخلق هذا الحسّ الشعوري المرهف تجاه الآخر المختلف طائفياً، وحدّدنا مواقفنا بناء على مبادئ إنسانية ثابتة لا على اصطفاف فئوي ضيق نكون بذلك قد مهّدنا الطريق لمشاريع وبرامج وحدوية فاعلة، وقطعنا الطريق على من يحاول أن يوهمنا بأننا في أزمة طائفية لا خلاص لنا منها إلا الاكتواء بنارها.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة