الحياة مليئة بالصعاب والمشاق والعراقيل التي تقف أمام الإنسان وتحول دون تحقيق مآربه في الحياة، ولكن ماذا يفعل الإنسان أمام هذه العراقيل، هل يضعف أمامها ويستجيب لها ويعيش محبطا يائسا لا يستطيع تحقيق آماله في الحياة، أم يستعين بسلاح فعالّ يعينه على تحقيق ما تصبو إليه نفسه من أحلام وآمال يحيا بها ويعيش على ضوئها.
هذا السلاح هو سلاح الأمل والتفاؤل الذي لولاه لما استطاع الإنسان أن يعيش في ظل التحديات التي تواجهه.
الأمل هو الضوء الذي يستطيع الجميع أن يراه ويبصره، ولكن من الذي يستطيع أن يصل إليه ويستمد من ضوئه ونوره ويجعل حياته مضيئة بهذا النور، فلا يسمح للإحباط أن يتغلغل ولا اليأس أن يتسرب إلى نفسه.
إن وضوح الرؤية والهدف أمام المرء يساعده على تحقيق ما يريد، وإلا سيظلّ يدور في حلقة مفرغة حتى وإن تمسّك بالأمل، فالأمل بحاجة إلى العمل، أما أن يظل الإنسان يعيش على الأحلام والآمال الفارغة فإنه لن يحقق ما يريد.
كل منا يحب أن يجدد في طريقة حياته، في نمط معيشته ويقتني ما يستجد من أدوات وحاجات، ويرغب أن يستبدل أثاث بيته بأثاث أفضل حالا، وثيابه بأخرى أجمل حلة، وهكذا يفعل الأمل يجعل الحياة جديدة ذات منظار آخر وأسلوب مختلف يعطي الإنسان حماسا ورغبة في العمل والعطاء والسير إلى الأمام بتحقيق المزيد من النجاحات. يقول أحد الحكماء (تمسك بالأمل الذي يدفعك إلى أن تعمل لترضي بعملك غريزة حب الخلق والإبداع التي وضعها الخالق فيك« وقد يكون هذا هو السر في الدراسة التي توصــل إليها الباحثون من ان المتفائلين يعيشون حياة أطول؛ لذلك يجب على الإنسـان أن يكون متفائلا حتى في ظل أصعب الظروف وأحلكها.
إن ثقافة اليأس والإحباط يجب أن نزيلها من قاموس حياتنا، فهناك الكثير من الأشياء الجميلة في حياتنا التي لا يراها الإنسان اليائس والمتشائم، فهو لا يرى إلا النقطة الصغيرة السوداء في تلك الصفحة الكبيرة البيضاء، يبحث عن جوانب القصور ومواضع الخلل في الأشياء »ويجعل من الحبة قبة« كبعض المربين الذين لا يرون إلا جوانب الضعف والخلل عند متعلميهم، بل ويشعرونهم بضعفهم وقصورهم، ويتناسون جوانب التميز التي يبدعون فيها، ولا يعملون على إبرازها، وإننا إن تمسكنا بهذا سيكون حالنا كحال الذباب كما قال الشاعر لصاحبه عندما أعرض عن محاسن شعره، وتتبع مواضع النقد فيه: (أراك كالذباب تعرض عن المواضع السليمة وتتبع جروح الجسد«
إذا عمر الأمل الفؤاد وعاش به يستطيع أن يفعل الأعاجيب، فكم من مريض يعاني آلام الألم شفي من مرضه عندما أمل في الشفاء، وكم من إنسان تقطعت به السبل وسدت في وجهه الطرق، ولكن بصيص الأمل لاح له من بعيد فأبصره وسعى إليه متسلحا بالصبر، مفرّغا نفسه لهدفه ومُسخّرا وقته له، يثابر ويجتهد من أجله، هذا الإنسان حتما سيصل إلى مراده وغايته.
وكل إنسان ينشد السعادة وراحة البال فلماذا ينغصّ حياته أكثر عندما يعيش بنفسية متشائمة وحياة يائسة تقعده عن طلب السعادة ونيل أسبابها، وهل تمسكه بالتشاؤم واليأس يساعده على تحقيق ما يريد؟ فمتى ما افتقد الإنسان الأمل من حياته، تحولت حياته إلى جحيم وعذابات، فالتشاؤم واليأس كفيلان بذلك.
الأمل هو قرار يتخذه المرء لتكون حياته أفضل مما كانت، ليتغلب على ما عجز عن تحقيقه سابقا، وهذا القرار ليس من السهل الإقدام عليه فهو الخطوة الأصعب والأكثر مشقة ويحتاج الإنسان إلى شجاعة وجرأة لاتخاذه، ولكن كم سيترتب على هذا القرار من نتائج ايجابية على هذا الفرد، والثمار الكثيرة التي سيجنيها من هذا القرار الشجاع.
الأمل هو الفكرة السحريـة التي إن زرعها الإنسان في عقله، وعاش بها بقلبه سوف يكون إنسانـا آخر، ليس ذلك الإنسان المحبــط اليائـس من الحياة بل هو الذي يبثّ الأمل لدى اليائسين ويبعث التفاؤل لدى المتشائمين، وِلمَ لا، فكلمات المتفائل تسطرّ تفــاؤلا، كمـا أن مجـرد النــظر إلى المتفــائل يبـعث على التفاؤل والرغبة في الحياة المفعمة بالخير والعطاء.
والإنسان المؤمن هو أكثر الناس تفاؤلا واستبشارا، فهو المتفائل بطبعه، يتوكل على ربه في كل أمر من أموره، يتوقع الخير والنجاح، يعلم أن الله لا يخذله ولا يُخيّبه، يعمل بكل طاقته وجهده ليرى نتيجة عمله جلية واضحة، كما أنه لا يعكّر صفوه شيء مهما اشتدت عليه الأمور وتعاظمت، ولقد ورد في الدعاء »ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور« فالمؤمن لا يستعجل الحاجة، ولا يقنط في حال عدم تحققها فلعل هناك حكمة وراء هذا التأخير، أو سببا ما في عدم تحقق هذا المطلب، والأم التي ترى انحراف ابنها عليها ألا تيأس من هدايتـه بل تعمل ما في وسعها لنصحـه وانـتشاله من تـأـثير التيارات الهدامــة وتنفي مزاعمها أن النصيحة لا تجدي نفعا معه، وإنها تعبت معه وغيرها من عبارات اليأس التي تثنيها عن تحصين ابنها بما يكفي لمقاومة تأثيرات المعاول الهدامة .
وإنه لولا تمسك الأنبياء (ع) بالأمل وتسلحهم بالتفاؤل في طريق دعوتهم إلى الله، لما صمدوا على هذا الطريق، يعملون على تعبيده بكل الأساليب الممكنة مستعينين بالله، طالبين توفيقه، فهذا نوح »ع« يقول مخاطبا الله، قَالَ »رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً« فيجيبه ربه »وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ« »هود: ٦٣« وهذا رسول الله »ص« أرسل إلى قوم يعج مجتمعهم بالحروب والنزاعات، وتكثر فيه الرذيلة والفاحشة، ولكن بالأمل والعمل استطاع رسول الله أن يخلق منه مجتمعا آخر وخير أمة أخرجت للناس. إن الأمل الحقيقي يجب أن يكون فيما يبقى ويُخلّد، أما الزائل والفاني فلا تعقد عليه الآمال والأحلام »الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً« »الكهف:٦٤« فهي الأمل المنشود.