كان الأخَوان يعيشان معاً بسلام في قرية نائية، إلى أن أتى ذلك اليوم الذي تشاجر فيه الأخوان على موضوع ما، فانزعج الأخ الأصغر وقام بحفر جدول ماء يفصل بين بيته وبيت أخيه، فغضب الأخ الأكبر من ذلك، وحين أتى العامل يبحث عن عملٍ يؤدّيه ليسترزق منه، قال له بأنّه يريده أن يبني سوراً عالياً حول بيته لكي لا تلتقي عيناه بأخيه أو ببيته، وقال له بأنّه سيذهب إلى المدينة وسيرجع مساءً آملاً أن يكون قد انتهى من عمله، وعندما رجع، رأى أنّ العامل لم يبنِ سوراً، بل جسراً يوصل طرفي الجدول معاً، فازداد غضبه، وبينما هو كذلك، أتى الأخ الأصغر والدموع تنهمر من عينيه معتذراً لأخيه ومقدّراً سمو أخلاقه بأنّه ردّ إساءته بهذا الجسر، وتصالحا، طلب الأخ الأكبر من العامل أن يبقى لتناول وجبة العشاء معهم، فشكرهم وقال أنّ لديه جسوراً أخرى عليه أن يقوم ببنائها.

إنّ أحد أرقى الأعمال التي يستطيع الإنسان أن يقوم بها في هذه الحياة هي بناء الجسور بين الناس، فهناك الكثير من الذين حجبت الثلوج المتراكمة قلوبهم عن القدرة على التواصل مع الآخر، وقد يكون هذا الآخر هو زوج أو زوجة أو أب أو أخ أو صديق أو أيّ شخص ما تربطه به علاقة تفترض أن تكون قويّة متماسكة، وقد تكون أُسَراً أشعل الخلاف ناراً لاتزال تحصد الفرقة والتحامل وربّما الكره أيضاً، وقد تكون جماعات أو بُلداناً لازالت تدفع ضريبة إرثٍ قديم في الأنفس من الشقاق دون الرجوع لأصلها وتقييمها.

وقد تكون الفجوة أوسع لتشمل الديانات والمذاهب، فإذا أخذنا المذاهب الاسلامية مثالاُ، فإنّ الكثير من الكتب والخُطب والقنوات الفضائية تقوم بدور بِناء الأسوار وإضافة الطبقات العازلة بين أتباع هذه المذاهب، وتبحث في الجسور إن وجدت، ولو كانت هشّة أو غير مكتملة، وتعمل جاهدة لتحطيمها كي لا يعبر شخص من جانب إلى آخر ليتعرّف على الجوانب المشتركة والمواطن التي يستطيع من خلالها أن يبني ثقافة التسامح والودّ والسلام.

فهندسة بناء الجسور وطُرقها كثيرة تفوق المشكلات، فلكلّ فجوة هناك أكثر من طريقة واحدة لترميمها، وبناء الجسور بين الأفراد والجماعات له سبل لامتناهية تزداد بإصرار وإبداع الشخص الذي يعمل على بنائها، ويبقى المهمّ هو العمل على جانبين في آن، الأوّل هو عدم السماح للفجوة بأن تكبر، والثاني أن يُبني الجسر.

فتكرار الكلام المؤذي على لسان الآخر، وإن كان صحيحاً، والافتراء وتفسير الأمور بشكل به انتقاص من حقّ أيّ جهة، وتشويه الحقائق أو تضخيمم بعضها هي جميعاً أعمالٌ تزيد الفجوة، والحثّ على فضيلة التجاوز والتغاضي عن السيّئة وتقريب الأفهام وإيجاد المشتركات والتركيز على الجوانب الإيجابية ومحاولة إصلاح الصور المشوّهة عن الآخر في الأذهان وتذكيرهم بأيّ موقف أو حدث أو كلمة جيدة في حقّهم، هي جميعاً تبني جسور.

فمن الصعب على الإنسان أن يكون له دور في الصورة الأكبر، في بناء الجسور بين المذاهب والأديان والأمم، ما لم يتدرّب على الصورة الأصغر، بناء الجسور بين الناس، وبين الأقربين الذين هم أولى بالمعروف، فهي ثقافة نحتاج أن نمارسها حتى نتشربّها ونحترفها فيكون وجودنا خيراً في كلّ مكان نتواجد فيه.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة