جنود الله وجنود الشيطان .. غير المرئية

ثمّة إحراج شديد يصيب الأبوين إذا أخطأ ابنهما وأساء التصرّف في الأماكن العامة بارتكاب حماقة ما في محضر الآخرين لأنّ الآباء عادة يرون أبناءهم امتداداً لهم ويعكسون صورتهم في المجتمع، لذا فإنهم يعنّفونه بشدّة ليعبّروا عن رفضهم لسوء أدبه، فيخفّفوا من مشاعر الخجل والإحراج التي انتابتهم جرّاء الخطأ الذي ارتكبه ابنهم، كما أنّ هناك أخطاءً يمكن تداركها وإرجاع الأمور إلى نصابها، أو الاعتذار عنها ومحو آثارها، فهناك أخطاء أخرى شديدة القبح والبشاعة تصل إلى حدّ الجريمة فلا يجدي معها الاعتذار، وليس من سبيل لتداركها، ما يُبقي وصمة العار على جبين الأبوين إلى الأبد إلاّ أن يتبرؤوا منه ومن فعلته.

الحماقة العسكرية التي ارتكبها الكيان الصهيوني – الابن المراهق والمعقّد نفسياً لأمريكا والغرب – مع المتضامنين الأحرار الذين كانوا على متن سفن قافلة الحرية كان من المتوقّع أن يسبّب للغرب إحراجاً كبيراً أمام المجتمع الدولي لشناعة الجريمة التي ارتكبها، ولكون نشطاء هذه الحملة يحملون جنسيات أربعين دولة مختلفة ولم يكونوا عرباً ومسلمين فقط، ولكن .. ولعلّة قد لا تخفى على لبيب، جاءت ردود أفعالهم باهتة، شاحبة، بشحوب تصريحات كلينتون التي (وسّخ) الكيان الصهيوني (نفسه) أمامها وأمام العالم بانتهاك كلّ الأعراف الإنسانية، وانتعال الحقوق والمواثيق الدولية، فما كان منها إلاّ أن (تأسف) لخسارة الأرواح في الهجوم الإسرائيلي الهمجي، ثم أتبعوا هذه التصريحات اللامبالية بأفعال لا مسئولة فرفضوا أو امتنعوا عن التصويت على أيّ قرار أممي يدين إسرائيل أو يدعو لمعاقبتها أو حتى تكوين لجنة محايدة للتحقيق في الحادثة، ثم برّروا لها لكي تواصل تلويث العالم بقذارتها بحجة الدفاع عن النفس، حتى ضجّ بعض المثقّفين منهم، فقال أحد الصحافيين اليهود بأنه لا توجد مكنسة كبيرة بما فيه الكفاية لكنس الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها الحكومة الإسرائيلية

ولا عجب، فإنّ ردود فعل الأنظمة العربية لم تكن أفضل من تلك الغربية، بل كانت أسوأ بالنظر إلى أن القضية الفلسطينية قضيتهم وليست قضية الغرب، فهؤلاء دافعوا عن مراهقهم القاتل المتمرّد رغم تلبّسه بالجريمة، كما سمحوا للنظام المصري بفتح معبر رفح للتخفيف من الضغط على إسرائيل وليس حبّاً في الفلسطينيين، أما أولئك – أعني الحكومات والمسئولين العرب – فقد (التقى) بعضهم بالمبعوث الأمريكي لمواصلة مباحثات السلام غير المباشرة ودم شهداء قافلة الحرية لم يجفّ بعد! و(هدّد) بعضهم بالانسحاب من مبادرةالسلام العربية! و(أرعد) آخرون بالدعوة لإرسال مزيد من السفن لكسر الحصار على غزّة! ثمّ اتّفقوا جميعاً على تحويل القضية إلى مجلس الأمن! وأمّا أشجعهم فقد قرّر الانسحاب من مبادرة السلام العربية الميّتة أصلاً!!

بينما تقطع نيكاراجوا (فوراً) علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الغاصب، وتستدعي جنوب أفريقيا سفيرها احتجاجاً، وتطالب منظمات أهلية في بلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية بتعليق اتفاقية الشراكة بين الكيان الصهيوني والاتحاد الأوروبي، وتنامى التعبير عن اشمئزاز عالمي تجاه ما فعله الكوماندوز الصهيوني بقافلة الحرية من قبل أساتذة جامعات، إلى صحافيين، ومفكّرين، وكتّاب، حتى أنّ أحد الروائيين الأجانب قرّر عدم ترجمة أية رواية من رواياته إلى اللغة العبرية (المختلَقة) ومقاطعة كل ما له علاقة بهذا الكيان، فأنفق كلٌّ حرٍّ رافض لهذه الجريمة الإنسانية البشعة مما لديه .. كلٌّ بحسب إمكانياته واستطاعته ليسهم كلّ ذلك في السقوط المدوّي وتهشّم صورة الكيان الذي طالما ادّعى أنه ضحية فاستغلّ رصيده التاريخي من الإشفاق والتضامن من قبل الغرب ليمارس إرهابه وظلمه، فانضمّ إلى ضحاياه هذه المرّة أحرارٌ من الأتراك وشهد إجرامه يهودٌ ومسيحيّون من الشرق والغرب، فأُضيف البعد العالمي والإعلامي إلى القضية التي بحّ صوتنا ونحن نحاول أن نقنع العالم بأنّ عدوّنا ليس ككل الأعداء، إنه عدوّ الإنسانية والقيم والأخلاق والسلام.

كلّ ما تقدّم وغيره مما لا مجال لذكره، وعلى رأس القائمة، (الخطأ) الفادح الذي وقع فيه الصهاينة هذه المرّة في التعامل مع المساعدات الإنسانية المتّجهة نحو غزّة .. هؤلاء هم بعض (جنود الله) غير المرئية التي يرسلها لنصرة من نصره من المؤمنين بقضاياهم العادلة تحقيقاً لسنّة إن تنصروا الله ينصركم، ومباركة لعمل تحدوه نوايا إنسانية سامية تجاوزت الأعراق والأديان، فرغم أنّ أهل غزة المحاصرين لم ينعموا بالمساعدات المادية التي حملتها لهم سفن قافلة الحرية، إلاّ أنّ (الخير) الذي انتابهم من التأييد العالمي لقضيتهم و(الشرّ) الذي أصاب عدوّهم وفضحه إعلامياً كان أعظم أثراً وسيكون أكثر دواماً من المؤن التي كان سيستفيد منها الأفراد لا القضية برمّتها، والتي هي بأمسّ الحاجة اليوم إلى الدعم الأممي والإنساني طالما تخلّى معظم أصحاب القرار في الأنظمة العربية عنها.

تلك جنود الله، أما جنود الشيطان غير المرئية فيمكن تحديدها في كلمة (الخوف)، المعبَّر عنه بطرق مختلفة من قبل جبناء عدّة فُضحوا في هذه الحادثة، أوّلهم؛ الصهاينة الذين عبّروا عن خوفهم بغباء لا مثيل له، وثانيهم؛ زعماء الغرب، الخائفون من سطوة اللوبي الإسرائيلي، حتى قال عنهم روبرت فيسك أنهم أجبن من أن يساعدوا في إنقاذ الأرواح .. بل هم دون مستوى أن ينالوا هذا الشرف، وثالثهم؛ بعض الأنظمة العربيّة الخائفة ممّا لدى الصهاينة من مستمسكات عليهم يبتّزونهم بها كلما دعت الحاجة، ومادام هذا الخوف مسيطراً عليهم فليدفعوا فاتورة أوساخ الصهاينة التي ملأت العالم بنتن رائحتها.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة