سوءة الطائفية أنها تشكّل (بعبعاً) في عقول الطائفيين لا يفكرون إلا عبرها، ونظارة سوداء على عيونهم لا يرون إلا من خلالها فيشمل النظر في كل المسائل الفكرية والعقائدية والمعاملات اليومية فيرى الآخر نقيضه في كل شيء ابتداءً من أشرف المسائل وهي تلك المتعلقة بالله سبحانه وصفاته وأسمائه وانتهاءً بأحقرها من مثل “5 فلوس” يرجعها الخّباز فيفكّر في أي حصالة صدقات طائفية يضعها!! وهو يفعل كل هذا معتقداً أنه يتقرّب إلى الله بها صامّا أذنيه عن قوله تعالى (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وهو ما وصى به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى وأوحى بذلك إلى محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام.
نعم ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) لقول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أولا،ً ولأنّ هناك معركة طائفية غير معلنة طالت الصلاة على نبيّنا، نبي الإسلام، نبيّ التوحيد والوحدة الذي جعل الآلهة إلها واحداً، والذي وحّد المهاجرين والأنصار، والسادة والعبيد وصالح بين المتحاربين من الأوس والخزرج، وفرح بانتصار الروم المسيحية ووقع معاهدة السلام والوئام والعيش المشترك مع اليهود وغيرهم من أهل المدينة. نعم اختلفت أمة هذا النبيّ العظيم على الصلاة عليه بينما هو من يقول إن
“إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة الصيام”, فهل يصلون عليه وحده، أم يجمعونه مع آله؟ وماذا عن صحبه، هل يشملونهم بالسلام أم لا؟؟ وذهب الأمر بأمته لأن تصبح صيغة الصلاة عليه راية مذهبية تُرفع للتفريق بين أبنائها و شعاراً للانتماء إلى مذهب دون آخر. المشهد مضحك مبكي، فبينما يرفع الجميع راية التوحيد بيد، يتقابلون متحدّين، هذا يضم الصحب معه وهذا يضم الآل معه، وكأن هناك معركة بين الآل والصحب، ومن لم يكن مع طرف فهو في الطرف الضد!!! وكأن الآل والصحب لم يكونوا صفاً واحداً وصفهم الباري جلّ وعلا في سورة الصف بقوله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) يرفعون راية التوحيد في البلدان يحررون الناس من استعباد الطواغيت إلى عبادة الواحد الحق.
قد ينبري أناس ويستدلون بالروايات التي تسند هذه الصيغة أو تلك وقد فعلوا، وقد يقوم آخرون بوضع صيغة ورفع أخرى بناءً على قراءة معيّنة للتاريخ وقد فعلوا ذلك أيضاً، وقد يتوصل الجميع إلى نتائج مماثلة وقد يختلفون وللآن لم يصلوا!!! ولكن حتماً لم يكن عامل الوحدة بين أبناء الأمة مسعىً ذا أهمية عند من يبحث ليحققه بل العكس هو الصحيح إذ إن كلاً يحطب في واديه ويحاول إثبات صيغته والتخندق في إطار مذهبه. وسوف نراوح في نفس المكان إذا واصلنا البحث والقراءة والاستدلال بنفس الطريقة بل سنكون أكثر انتكاسة وأبعد عن الصواب مهما تعمّقنا في ذلك لأننا لا نتعمّق إلا في الشرخ والعالم منّا الذي يشق الشعرة شعرتين يشق الأمة الواحدة نصفين وكل نصف قسمين وهكذا ما لم يكن همّه الوحدة بين أبناء الأمة وإيجاد ما يوحّدها بغض النظر عن مذهبه وما علمه من آبائه وأجداده.
الآن ونحن على أبواب الفتنة إن لم نكن في أتونها، في أمس الحاجة إلى الوعي بما يرضي محمّدا (ص) في صيغة الصلاة عليه، وكتابة ذلك فيما نكتب، وفي الرايات التي نرفع سواءً على بيوتنا أو سيّاراتنا أو غيرها، ولنسأل أنفسنا ماذا نضيف إلى محمّد وإلى أمة محمّد(ص). هل نحفظ وصاياه ووصايا ربّنا سبحانه في الوحدة ونبذ التفرق والاختلاف؟
قال تعالى(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)(آل عمران: من الآية103).