يحكى أنّ رجلاً وعد صديقه بتلبية دعوته لزيارته في مدينته، ولما جاء الوقت ليفي بوعده، دخل المدينة وأدهشه مدخلها الذي لم يكن سوى المقبرة التي يَدفن فيها أفراد المدينة موتاهم والتي لا بدّ من عبورها للوصول إلى المدينة.

لاحظ الضيف أنّ جميع القبور عليها أحجار منحوتة باسم صاحب القبر والفترة التي عاشها، والتي معظمها لم يتجاوز سنوات أو أيام معدودة، فسأل الضيف عما إذا كانت هذه المقبرة خاصة بالأطفال لقصر الأعمارالمكتوبة، فردّ عليه مضيفه بأننا لا نحسب أعمارنا بيوم ميلادنا حتى مماتنا، بل نحسبها بالأيام التي أحدثنا فيها تغييراَ وصنعنا فرقاً إيجابياً.

إنّ المشكلات والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تواجهنا في بلداننا العربية، تشتمل على مشكلات عميقة وكبيرة لدرجةٍ يبدو معها الحلّ بعيداً وغير ممكن، وهذا ما يولّد الإحباط الفردي والجماعي والذي قد يتطوّر بمرور الزمن ليصل إلى حالات متفاوتة من اليأس وخيبة الأمل، والتي كثيراً ما تتحوّل إلى الشعور بالتبلّد واللامبالاة الفردية والجماعية، وهي بدورها تعتبر من أخطر الظواهر الإنسانية التي من ممكن أن يصل إليها أيّ فرد أو مجموعة أو بلد.

ولعلّ أحد أهم الأسباب التي توصل الإنسان لهذه الحالات السلبية هو عندما يعجز عن الإيمان بأنّ العمل ليس بالضرورة أن يكون كبيراً وجامعاً لكي يحدث تغييراً جوهرياً، وأنّ التغيير نادراً ما يحدث دفعة واحدة، بل هو مجموعة تغييرات صغيرة تتراكم لتصنع تغييراً كبيراً، أو تغييرات صغيرة في مواقع حساسة، قد تكون نتائجها أكبر مما كان متوقّعًا منها.

والأهم من ذلك، أنّ التغيير نحن مصدره وليس حكراً على الآخرين، فواجبنا أن نقوم بخطوة أو خطوات تجاهه وليس انتظار الآخرين والوقوف دون حراك حتى يقوموا بدورهم، فمع أنّ هناك أموراً بحاجة إلى مقدّمات وهي بيد الآخرين، فهناك أيضاً أمورٌ كثيرة نستطيع نحن أن نبدأ فيها بإيجاد الفرق حتى ولو كان زيادة في نسبة الوعي بأهمية موضوع ما، فحين نبدأ بعمل شيء للتغيير، سنُلهم الآخرين على القيام بأدوارهم من جانب، ونستشعر نحن قدراتنا وتأثيرنا من جانب آخر.

ولا يقل أهمية إحداث الفرق في حياة الّأفراد عنه في الأمور الحياتية المختلفة، فلو رجعنا إلى ذكرياتنا، قد نتفاجأ كم أثّرت فينا وكم هي محفورة في قلوبنا كلمة طيبة قيلت لنا في وقت شدّة، أو ابتسامة تحفيز في وقت إحباط، أو نصيحة استشعرنا صدقها واهتمام قائلها بنا، وأهمّ من ذلك، وقفة شخص بجانبنا حين أخطأنا أو قمنا بعمل ما أحطّ من كرامتنا وإنسانيتنا بقول أو فعل، سواء كنا نقصد ذلك أم لم نقصد، ولم يتخلّ عنا ولم يكتفِ بتقييمنا بأننا ويالخسارتنا أيضاً قد انزلقنا مع كثيرين آخرين، بل اعتبرنا أشخاصاً مهمّين لذواتنا، حتى ونحن في أضعف حالاتنا، فقرّر أن يساعدنا لنتخطى ما نحن فيه وأن يساهم في تحفيزنا لنخطو خطوات سليمة لا ننزلق بعدها مرة أخرى.

فلو عرضنا أعمالنا وأقوالنا على أنفسنا كل ليلة، ووجدنا فيها ابتسامة ساهمت في إحياء قلب إنسان، أي إنسان، أو إرساء عدالة أو تحفيز لعمل أو خُلق طيب، أو المساهمة لإيصال شخص لحال يرى فيه نعمة الله عليه ويشكرها، لكان ذلك اليوم ضمن أيام حياتنا التي عشناها فعلاً، فنحن لا نعرف ما هي سلسلة التأثيرات الارتدادية لهذا العمل وأين سينتهي مداه.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة