عيد التضحية عيد التحرّر من الموبقات

سألته: أمستعد للسفر إلى بيت الله؟ فحرّك يده باضطراب، وكان القلق بادياً عليه: لا .. نعم .. ربما .. لا أدري!! أشفقت عليه، فقلت: الحجّ سفر روحاني، ذو معانٍ رمزية جميلة، وهو أبسط بكثير مما تحاول مسائل الفقه أن تعقّده لك بالتركيز على الظاهر من المناسك، الحج .. لقاء مع الله، فإن كان ثمة اضطراب ينتابك فليكن لهيبة لقاء المحبوب المرتقبة في بيته الذي وضع للناس ببكة مباركاً .. الحج: “تسكين القلوب” كما يصفه الإمام الباقر (ع) .. الحج كلّه يتلخّص في كلمتي: “لبيك اللهم”، لا قلقلة لسان ولكن عملاً بالجوارح، ملبّياً، أو محرماً، أو ساعياً، أو طائفا، أو عاكفاً، أو مضحّياً، وعندما يعود الحاج يجد انعكاس ذلك كلّه على حياته كلّها.

ازداد الاهتمام بـ(رحلات) الحج كثيراً عن ذي قبل، فإلى جانب السكنى في فنادق من فئة الخمس نجوم والتنعمّ بطيّب الطعام، فهناك محاضرات، وندوات تُعقد للتعريف بأحكام الحج، وقد يتطرّق البعض إلى فلسفة مناسكه والهدف من أدائها بكيفية معيّنة، ولكن نادراً ما نسمع من القائمين على رحلات الحج من ركّز أو حتى تطرّق إلى ما جاء في خطبة رسول الله (ص) في حجة الوداع بشأن وحدة المسلمين وحرمة دمائهم، حيث بدأ الخطبة بقوله: “أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا … وتعلمُهنّ أنّ كل مسلم أخ للمسلم، وأنّ المسلمين إخوة … ولا ترتدّوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ..”، ولو فعلوا ذلك وأخافوا الحجاج من مغبة هتك حرمة وأعراض ودماء المسلمين بعضهم بعضاً كما يخيفونهم من عدم دفع ديونهم المادية وخاصة الحقوق الشرعية منها، لكان حال الأمة من بعد الحج خيراً من حالها قبله، ولو دُعي ثلاثة ملايين مسلم لهجر أحقادهم، وكراهيتهم، كما يهجرون أوطانهم لعاد للأمة سلمها الاجتماعي حينما يعودون إليها.

تستعد المملكة العربية السعودية هذا العام بمئة ألف من قوات أمنها للمحافظة على سلامة الحجيج، هذا عدا عن الاستعدادات العمرانية السنوية لتوسعة للحرم، واستخدام أطور التجهيزات التقنية في أماكن أداء المناسك حرصاً على راحتهم، إلاّ أننا لم نسمع أنّ وعّاظ المسجد الحرام والمتحدّثين على منبر رسول الله (ص) أُعطوا دورات ليطوّروا أساليب وعظهم، أو يجدّدوا معلوماتهم، أو يرتقوا بالمواضيع التي يتناولونها لتوعية الحجّاج بمقتضيات أمانهم النفسي والمجتمعي، والأغلب لم يستثمر المسلمون جيّداً – لا ساسة, ولا قادة- هذا التجمع الروحاني السنوي لتوحيد الأمة، ولم يستغلّوا فرصة صفاء نفوس الحجاج في بيت الله لوضع اللبنة الأولى لحلّ مشاكل أبنائها، أو نزع فتيل الخلافات بينهم، ولم يحوّلوا هذا التجمهر الطبيعي إلى وسيلة تعارف بين المسلمين الآتين من كل فج عميق، وبناء شبكة علاقات لتبادل للخبرات، فما أكثر الضجيج، لا ضجيج الحجيج بل ضجيج من يدّعون أنهم قائمون على شئون الحجيج.
ترتبط فرحة العيد لدى الأطفال والشباب بالعيدية ولبس الجديد، ولبعض الكبار بالترفيه والزيارات العائلية، والسفر، وللمهتمين بشئون الأمة والمتابعين لأحوالها بالتأمل فيها، ومن ثمّ الدعوة لوقفة صادقة للإجابة على السؤال: ماذا يمكننا أن نفعل لكي نعيد لهذه الأمة فرحتها الحقيقية، بعزّتها، وكرامتها، ووحدتها؟ وكيف نجعل من عيد (التضحية) بعد الوقوف بـ(عرفة) والمرور بـ(المشعر) عيد التحرّر من الخطايا والموبقات ونوازع الشر، والتطهر من الكراهية والأحقاد والأغلال، فيقتلع من نفسه مشاعر الاغتراب والتوحش ليتعامل مع إخوته المختلفين معه ممّن يعاشرهم لأول مرة ويتعرّف على عوالمهم وثقافاتهم وطبائعهم بمشاعر الأخوة والإنسانية.
أعاد الله لأمّتنا أخوّتها وسلامها وجعلها خير من لبّى ومجّد وشيّد وعيّد ..

 

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة